بعد رحلته الفنيّة الرمضانيّة إلى فلسطين عاد المطرب والموسيقي الجزائري فؤاد ديدي إلى فرنسا، بانطباعات رائعة، واصفاً ما لقيه من ترحيب وضيافة وتفاعل في كلّ من القدس المحتلّة وأريحا ورام الله وجنين بـ “غير العادي”. ولفت الانتباه إلى أنّ الموسيقى الأندلسيّة غير معروفة كثيراً في المشرق العربي، بل أصبح موطنها المغرب العربي بعدما سقطت غرناطة وعاد العرب واليهود إلى شمال إفريقيا.
الجولة بدأت في المركز الكوري، جنين، يوم السبت في 18 أيار/ مايو 2019، وانتهت في عين السّلطان، أريحا يوم الإثنين في 20 أيار/ مايو، وبينهما حلّ مساء الأحد على مسرح القصبة في رام الله. عن هذه الجولة يبدأ ديدي حديثه لـ “الآوان” شاكراً الجمعيات الفلسطينيّة وكلّ من ساهم في ترتيب وإنجاح هذه الحفلات، قائلاً “أشكرهم على اهتمامهم بهذه الرّحلة الثقافيّة والفنيّة والإقامة الممتعة مع الموسيقيين الفلسطينيين. إنّ قضاء بعض الوقت في فلسطين لهو أمر مؤثّر، خصوصاً في شهر رمضان، حيث كان من دواعي سروري أن أعيش هذه الأجواء هناك، حيث اغتنمت الفرصة لأصلي الفجر في المسجد الأقصى. لقد وجدت لدى الفلسطينيين كرم الضّيافة واللّطف الشّديد”.
أغاني شعبيّة
أستاذ الموسيقى الأندلسيّة في المعهد الوطني لمدينة تولون، لم يكن وحيداً فقد رافقته مجموعة من الموسيقيين في حفلاته وهم الكمنجاتي ينال ستيتي (إيقاع)، حنة الحاج حسن (غناء)، أيهم عايش (قانون)، لؤي بلعاوي (عود). وقاموا معاً بإعداد برنامج للموسيقى العربية الأندلسيّة الكلاسيكيّة، وبعض الأغاني الشعبيّة الجزائرية وأغنيتين تونسيّة ومغربية وصوفيّة. هذه الأغاني هي، كما يوضّح ديدي: “يا قلبي خلي الحال”، “هذا الشراب”، “يا صبري”، “يا اهيل الحيما لقد طال شوقي إليكم”، “لاموني اللي غارو منّي”، “شهلة لعياني”، “يا الرايح وين مسافر”. “طالما أشكو غرامي” و”الفياشية”.
الثّقافة أوكسجين الفلسطينيين
عن تقييمه للنّشاط الثقافيّ الفلسطينيّ في ظروف الإحتلال والحصار والأوضاع الاقتصاديّة المُزرية، يؤكد الفنان الجزائري “إنّها مبادرة جيّدة جدًا أن تُقدّم للشّعب الفلسطيني الفرصة حتّى يتمكّن النّاس من الخروج قليلاً، سيّما في جنين حيث لا يحدث شيء على المستوى الثقافي. لكنّي لاحظت أنّ المؤسسات لا تزال تعمل من أجل الموسيقى والفنّ وحفظ النّشاط الثقافي بشكل عام، على الرّغم من الوسائل الضعيفة الّتي تملكها، لأنّ الثّقافة في رأيي هي التي تعطي الأوكسجين”، وفي هذه المناسبة ثمن دور كلّ من المعهد الفرنسي في القدس المُحتلة وجمعية الكامنجاتي والموسيقيين والمركز الكوري في جنين، في إنجاح رحلته الفنيّة هذه.
أمّا عن سبب اختياره للفن الأندلسي الّذي برع به وأصبح من أفضل عازفي الكمان، فيروي قائلاً: ” أنا من تلمسان، عاصمة الثقافة الأندلسية في الجزائر. بعد سقوط غرناطة، انتقل العرب واليهود إلى المغرب العربي وخصوصاً إلى مدينة فاس في المغرب وتلمسان وقسنطينة في الجزائر. المشروع هو أنّ الموسيقيين الفلسطينيين أرادوا أن يتعرّفوا على الموسيقى الأندلسيّة، لهذا سبب كانت دعوتي إلى هناك. وكان العمل مع فرقة الكمنجاتي جيّدا جداً. كانت لديهم رغبة وطموح. وبالنسبة للعروض كانت جميلة عبّر عنها الجمهور بتفاعله وسروره وإعجابه الشّديد بهذا النّمط”.
اهتمام أوروبي بالأندلسيات
يشير إلى أنّ “الموسيقى الأندلسيّة غير موجودة إلاّ في المغرب العربيّ: المغرب، الجزائر وتونس. ليست موجودة في المشرق، بل نجد بعض الموشحات أندلسيّة (غناء فيروز مثلاً). الآن الفنّ الأندلسي انتشر في أوروبا بسبب وجود الجزائريين والمغاربة. العقل الأوروبي والمؤسّسات تساعدنا كثيراً على نشر هذا التراث لأنّه جزء من حضارة كبيرة يمتلكها العالم العربي”. ويسترسل في حديثه عن الموسيقى الأندلسيّة، قائلاً “إنّ هذه الموسيقى جميلة وعميقة. وحين نتكلّم عنها نحن أمام برنامج متنوّع من الموسيقى الكلاسيكيّة، وما يسمّى باللّون الحوزي، هذا إضافة إلى دواوين وموسيقى صوفيّة. لهذا قدّمت لإخواني في فلسطين برنامجا متنوعا شمل الكلاسيك، والشّعبي الجزائري والمغاربي والغناء الصوفي المناسب لأجواء شهر رمضان المبارك”.
المطرب ديدي هو من مواليد 1964، في مدينة تلمسان (أقصى غرب الجزائر) من جذور جزائريّة عربيّة، ويقيم في فرنسا. حمل مشعل الطرب الأندلسي، وبات واحداً من أفضل عازفي آلة الكمان الّتي أتقنها منذ طفولته، إضافة إلى عزفه على آلتي المندولين والعود. الكلمة والموسيقى في أعماله تلتقيان بشكل هرموني يسلب المُستمع كلّ اهتمامه على طريقة الطّرب الأصيل الّذي يخاطب الوجدان والأحاسيس ويستخدم الكلمة الدّافئة والمعبّرة. أسس في مرسيليا “أوركسترا طرب”، المتخصّصة في الموسيقى الكلاسيكيّة. يقوم بتدريس الموسيقى الأندلسيّة لنحو ستين طالباً في معهد تولون الوطنيّ للموسيقى، كما يعطي دروساً في الموسيقى نفسها في “سيتي دي لا ميوزيك”، مرسيليا. يعتبر ديدي الآن من أفضل مطربي اللّون الأندلسيّ واللّون الأندلسي المحدث (الحوزي). أصدر ألبوماً بعنوان “حدائق الأندلس”.
عن الاوان