إختار لكم محمد ساسي من مقال للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط:
ما التنوير؟
إنه خروج الإنسان من حالة القصور التي هو مسؤول عنها. قصور يتجلى في عدم رغبته وعدم مقدرته على على استعمال إدراكه دون قيادةٍ من الغير. هذا القصور يرجع إلى الذات، لكنه لا يكمن في غياب الفهم، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير. "تجرّأ على استخدام فهمك الخاص!" هذا هو شعار التنوير.
إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل الكثير من الناس يظلّون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ مدة طويلة، من كل قيادة خارجية، والذي يجعل آخرين ينصّبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم. إنه من المريح جداً أن يكون المرء قاصراً. إذا كان لديّ كتاب له فهم نيابة عني، وواعظ له ضمير نيابة عني.... فإني لن أحتاج إلى أن أجتهد بنفسي. ليس من الضروري أن أفكر ما دمت قادراً على أداء الثمن؛ ذلك أن الآخرين سيتحملون هذا العمل المزعج نيابة عني. أما أن الأغلبية الساحقة من الناس (وضمنهم الجنس اللطيف بأكمله) يعتبرون أن الخطوة نحو الرشد، فضلاً عن أنها شاقة، خطيرة جدا كذلك، فهذا ما سبق أن دبّره أولئك الأوصياء الذين يتحملون الإشراف العام عليهم بطيبة تامة. فبعد أن يجعلوا أولاً ماشيتهم مغفّلة، وبعد أن يحرصوا بعناية على ألا يُسمح لـهذه المخلوقات الهادئة بأن تتجرأ على القيام بخطوة واحدة خارج العربة التي حبسوها داخلها، بعد ذلك يبينون لهم الخطر الذي يتهددهم إذا ما حاولوا المشي بمفردهم. صحيح أن هذا الخطر ليس بالذات جد كبير، لأنهم سينتهون بتعلم المشي بعد أن يسقطوا بضع مرات؛ إلا أن مثالا واحدا من هذا النوع يثير الوجل لدى المرء ويردعه عموماً عن القيام بمحاولات أخرى.
.... إنه لمن الصعب على أي إنسان بمفرده أن يتخلص من القصور الذي أصبح تقريباً بمثابة طبيعة له. بل أكثر من ذلك، إنه غَدا يحبه، وهو في الوقت الحاضر عاجزٌ بالفعل عن استخدام فهمه الخاص، لأنه لم يُسمح له أبداً بأن يحاول ذلك. إن النظم والقواعد، هذه الأدوات الميكانيكية لاستعمال المواهب الطبيعية، أو قل لسوء استعمالها، هي بمثابة قيود للقصور الدائم. وحتى من خَلَعَها، لن يتمكن من القيام إلا بقفزة غير آمنة فوق أضيق الحفر، لأنه لم يتعود على مثل هذه الحركة الحرة. لـهذا السبب، لم يوفّق إلا القليلون في أن ينتزعوا أنفسهم من حالة القصور بواسطة مجهودهم الخاص وأن يسيروا مع ذلك بأمان.
لا يمكن لجمهور أن يبلغ التنوير إلا بتأنٍّ. فالثورة قد تطيح بالاستبداد الشخصي والاضطهاد المتعطش للمصلحة المادية أو السلطة، ولكن لا يمكن أن تؤدي أبدا إلى إصلاح حقيقيّ لنمط التفكير، بل فقط إلى استخدام أحكام مسبقةٍ جديدة، مثلما كانت تُستخدم القديمة، كشريط موجِّه للأغلبية التي لا تفكر.).....
إيمانويل كانط