حركة خارج السرب | الهوية والمثقَّف والسَّلطة إدوارد سعيد ناقدًا
الهوية والمثقَّف والسَّلطة إدوارد سعيد ناقدًا
2019-08-21 | 1632 مشاهدة
يونس رزين
مقالات

تدور مؤلفات إدوارد سعيد حول مجموعة من المفاهيم، تكاد تكون الأساس النَّاظم لصرحه المعرفي؛ حيث لا يخلو منها مؤلَّف من مؤلفاته: المثقَّف، والهوية، والسُّلطة، والحرية؛ حيث تدخل هذه المفاهيم في علاقة نسقية بعضها ببعض. لا مجال للحديث، على سبيل المثال، عن المثقَّف دون الحديث عن السَّلطة، ولا مجال للتَّفكير في المثقَّف والسُّلطة دون الإشارة إلى كلٍّ من الحريّة والهويّة. ونحن في هذا المقال سنحاول، بالتعاون مع إدوارد سعيد، تبيان مظاهر العلاقة بين المثقَّف والسُّلطة، متسائلين عن محدِّدات هذه العلاقة، وناظرين، بدايةً، في معاني ودلالات مفهومي: الهوية والمثقف. لنخلص، في خاتمة هذا المقال، إلى النَّقد الذي وجهه إدوارد سعيد، باعتباره مثقّفًا، إلى شكلٍ من أشكال السُّلطة المعرفية التي مارسها الغرب على الشَّرق.

1- مفهوم الهوية: من التَّطابق إلى الاختلاف

يُعد التَّعريف المنطقي الذي صاغه أرسطو عن الهوية الأقدم في مجاله؛ معبّرًا عنه بالصِّيغة الرِّياضية: أ=أ. لكن لم تعد هذه الصِّيغة الرِّياضة تسمح بالحديث عن الممكن، والمحتمل، والقابلية للصَّواب أو الخطأ؛ بل لم يعد العقل البشري، من المنطق الصوري الأرسطي، بدايةً، يؤمن إلا بالتَّطابق التَّام والمطلق بين العقل ومبادئه الثَّلاثة الرَّئيسة: مبدأ الهوية، ومبدأ عدم التناقض، ومبدأ الثَّالث المرفوع. وقد أحكمت هذه المبادئ الثَّلاثة قبضتها على مجموعة من أنماط التَّفكير والسُّلوك، والمجال السِّياسي واحد منها؛ إذ باتت الأنظمة السِّياسية تعتقد في الإمكانية الواحدة والبعد الواحد، المتجلِّيان في ضرورة تطابق الأمَّة أو الجماعة مع المبادئ المؤسِّسة لكيانها، دون فسح المجال لبعد من الأبعاد المختلفة عنها. وقد عملت أممٌ ودولٌ وجماعاتٌ، تتبنَّى إيديولوجيا النَّقاء العرقي، على اكتساح مجموعاتٍ خارجةٍ عنها بدعوى أنها متخلّفة، وبربرية، ومتوحشة، وإيمانًا منها بضرورة الحفاظ على تطابق الجماعة مع ذاتها. المهم هنا، أن هذا الشكل الأول من الهوية الذي يعني التَّطابق التَّام، والتَّوحد، يمثّل نموذجًا لهوية غارقة في التجريد؛ ذلك أن التَّوحد الذي يُسقط الاختلاف يتمتَّع، من دون شكٍّ، بقدرٍ كبيرٍ من التَّسلط. أمَّا التَّطابق، والوحدة، والحديث عن ضرورة بعثِ نموذجٍ سالفٍ بكل تفاصيله، ليس سوى ادعاء أجوفًا.

في هذا السياق، يشير محمد سبيلا إلى الفرق الجوهري بين رؤيتي الهوية: رؤية سكونية أو ماضوية؛ تعتبر الهوية شيئًا ناجزًا بصورةٍ نهائيةٍ، وهي رؤية ينبني عليها تصوّر إيديولوجي سكوني للهوية، يرى أنَّ المهمَّة الأساسية هي الحفاظ على هذه الهوية. أمَّا الرؤية الثَّانية؛ فترى أن الهوية هي من النَّوع الَّذي يتعين على المجتمعات والثَّقافات اكتساحه باستمرار، وصناعته مجدَّدًا؛ لأنَّ النَّموذج الأمثل للهوية، في إطار هذا التَّصور، هو نموذجٌ مستقبليٌّ".

قد يُفهم من نقدنا لمفهوم الهوية كتطابقٍ، والدِّفاع عن الهوية كإدارةٍ للاختلاف، أنّه مجرد ترفٍ فكريٍّ مَهَمَّتُهُ مسايرة خطٍّ إيديولوجيٍّ معينٍ، أو مجرد موضةٍ زائدةٍ، غير أنَّ نظرةً إلى العالم المعاصر، تفرض علينا ضرورة مراجعة كافَّة الإيديولوجيات التي تهدف إلى الدَّمج القسري والتَّكيف مع نموذج ما. يقول إدوارد سعيد في هذا المعرض: "أعتقد أنَّ المشكلة الكبيرة تكمن في مسألة الهوية الوطنية، أو ما يمكنني أن أُسميه (سياسة الهوية): الشعور بأنَّ كل ما تفعله يجب أن تشرّعه هويتك الوطنية، أو أن يمر عبر مصفاتها، وهي في معظم الأحيان مجرَّد وهمٍ، كما يعلم الجميع. أقصد الهوية التي تقول: إنَّ كل العرب متجانسين، ومتطابقين. وضدَّ كل الغربيين المتشابهين بدورهم، هنالك غربيون عدَّة. إذن، دور المثقَّف الأساسي في هذه اللَّحظة؛ هو تكسير تلك الهوِّيات الكبيرة: الوطنية، والثَّقافية، والعابرة للثَّقافات".

2- في هوية المثقف:

بعد أن توقفنا عند بعض سمات الهوية: من جهة التَّطابق والاختلاف. سنركِّز هنا، على هوية المثقَّف، محاولين الإجابة عن الأسئلة الآتية: أتنحصر هوية المثقف في دائرة ثقافية واجتماعية محددة، أم أنّه يتميز ببعده الكوني؟ أيلتزم المثقَّف بالقضايا التي تهمُّ المجتمع الذي يعيش فيه، أم عليه توسعة دائرة اهتمامه لتهم القضايا الإنسانية؟ أو ربما يكون المثقف لا هذا ولا ذاك، إنَّما هو الذي ينعزل عن المجتمع وقضاياه بدعوى أن الدفاع عن المجتمع؛ هو نوع من أنواع الشعبوية.

ليس من اليسير على المفكِّر، أو المتأدِّب، أو الباحث الجامعيُّ إخضاع هوية المثقف لتحديدٍ جامعٍ مانعٍ؛ ذلك لأن السُّؤال عن هذه الهوية: "هو سؤالٌ صعبٌ لكَّنه ضروريٌّ يطلق بعض الأحيان حتى على المتعلِّم البسيط، بيد أن المفهوم لا يكون أداةً للتَّحليل في العلوم الاجتماعية، إلاَّ إذا أُطلق على شخصيةٍ تظهر في ظروف جد خاصَّة". على الرَّغم من الصُّعوبة التي تعتري تحديد مفهوم المثقف، فإنَّها لم تمنع المفكر إدوارد سعيد من تحديد بعض السِّمات الدَّالة عليه، وبيان ذلك واضحٌ من خلال الشَّخصيات المثقَّفة الَّتي يعتمدها إدوارد محوراً لتفكيره. نذكر هنا، على سبيل المثال: جوزيف كونراد، وتيودور أدورنو؛ فهؤلاء وإدوارد سعيد يتقاسمون خاصِّيةً أساسيةً، كونهم عاشوا محنة النَّفي من الوطن، وخبروا تجربة التِّرحال القسرية من ثقافةٍ إلى أخرى. بناء عليه، لم تعد هوية المثقَّف، بالنِّسبة إلى إدوارد سعيد، منحصرةً في الخندق الضَّيق لجماعةٍ بشريةٍ دون غيرها. لنتأمل في سيرة حياته الموسومة بتغيير المواقع، واستبدال الأمكنة، والانفتاح على الإمكانات المتعدِّدة للوجود والحياة، بدلًا من "سياسات الهوية" التي تفرض على المثقَّف الإيمان المطلق بهويةٍ مغلقةٍ ومسدودة على ذاتها.

يُعَدُّ إدوارد سعيد، من دون شكِّ، من الفئة القليلة التي تمردت على القوالب النَّمطية، والأطر الجامدة في تحديد الهوية؛ إذ لم تعد هذه الأخيرة بالنِّسبة إليه ذات بعدٍ واحدٍ؛ حيث قال عنه محمود درويش في قصيدته "طباق"، بعد لقاءٍ جمعهما في الولايات المتَّحدة الأمريكية:

"والهوية؟ قلت

فقال: دفاعٌ عن الذَّاتِ...

إن الهوِّية بنت الولادة لكنَّها

في النِّهاية إبداعُ صاحبها،

لا وراثة ماضٍ،

أنا المتعدِّد

داخلي خارجي المتجدد، لكنَّني

أنتمي لسؤال الضَّحية. لو لم أكن

من هناك لدرّب قلبي على أن

يربّى هناك غزال الكناية"

لست بمتزيدٍ إن قلت إنَّه لا مجال للحديث عن هوية سعيد بصيغة المطلق؛ إذ إن هويته مفهوم مطَّاطي، ينفلت من قبضة التَّحديد المنطقي، اعتقادًا منه أن ما تمدُّنا به الأنثربولوجيا في دراستها للشُّعوب دَلِيلٌ على هذا التَّعدد في أنماط العيش، واختلاف الرُّؤى والمعتقدات، (لكن للأسف، من السَّهل جدًّا ترديد الصِّيغ الجمعية، ما دام استخدام لغةٍ قوميةٍ (لا يوجد بديلٌ لها)، يفضي إلى إلزامك بالمصدر الجاهز، وسوقك إلى هذه العبارات المبتذلة، والاستعارات الشائعة لــ"نحن" و"هم")[4]. من ثمَّ، ما السَّبيل الذي يمكن اتخاذه حتى يتسنى لنا تحديد آخر إدوارد سعيد؟ هو الَّذي كبر في فلسطين، وتلقّى تعليمه الأوَّل في القاهرة، واحتضنته أرض الأرز، ليجد نفسه، أخيرًا، في منفى هو الولايات المتَّحدة الأمريكية. كيف بمقدورنا استجلاء هوِّية سعيد؟ هو المسيحيُّ الجامع في اسمه بين شخص بريطانيٍّ وآخر عربيٍّ.

يتعلق الأمر، إذن، بفسيفساء ساعدته على رؤية الاختلافات والتَّمايزات حقًّا، هو القائل: "في حين لا يعرف معظم النَّاس سوى ثقافةً واحدةً، وخلفيةً واحدةً، ووطنًا واحدًا؛ فإن المنفيِّين يعرفون اثنين على الأقل". للمنفى، بهذا المعنى، الدَّور الحاسم في تشكيل الوعي لدى إدوارد سعيد، هو الَّذي كتب من خلال شخصيات جوزيف كونراد المتَّسمة بالمغادرة الموطنية وبالتِّرحال. تتسم هوية سعيد، إذن، بالانحياز إلى الدِّفاع عن ضحايا الاستعمار، عن ضحايا الضَّحايا، وعن كل المنفيِّين على هذه الأرض. هكذا، ليس من الغريب أن يقول مع أدورنو، المنفي بدوره من ألمانيا النَّازية: "لقد سبق لنيتشه أن كتب في العلم المرح: (إنَّه لجزءٌ من حسن طالعي، أنَّني لست صاحب بيتٍ). وعلينا أن نضيف اليوم: إنَّه لجزءٌ من الأخلاق ألاَّ يكون المرء مرتاحًا في وطنه"[5]. هذا الشُّعور بالغربة في وطنٍ وجدنا أنفسنا منتسبين إليه بالميلاد، جعل إقامة الواحد منَّا فيه مؤقتةً، و"جعل الأوطان حالةً عابرةً، وعارضةً، وزائلةً"، يردد إدوارد سعيد مع أدورنو. إنَّ المثَّقف الحقّ قد يكون منفيًّا داخل أرض المولد؛ لهذا لا بُدَّ من التَّموضع الدَّائم على الهامش، وإحداث الانشقاقات والفجوات داخل الجماعة الَّتي تعتقد في نفسها الانسجام التَّام، والمطلق، والكلِّي؛ فليست هوية الجماعة أو الأمَّة شيء من القبليّ؛ بل هي البعدي المتعدِّد. "ومهمة المثقَّف أن يُبَيِّنَ كيف أن هوية الجماعة أو الهوية القومية، ليست كينونةً طبيعةً أو منزَّلةً من السَّماء؛ بل هي شيءٌ مركَّبٌ، ومصنوعٌ، وفي بعض الحالات مختلقٌ، وفي الولايات المتحدة، قام نعوم تشومسكي، وغور فيدال، بهذه المَهمَّة بجهدٍ كبيرٍ". إذن، على المثقَّف أن يختار بين شيئينِ اثنينِ: الوقوف إلى جانب الأقل تمثيلًا من المنبوذين والمهمشين، أو إلى جانب الأكثر قوَّة.

من كل ما سبق، يمكن القول: إنَّ المثقَّف الفعلي؛ هو الَّذي تُمَكِّنُهُ "مبادئه" من عدم محاباة المجتمع؛ إذ لا تجده يردِّد في كل المناسبات تلك الكلمة الجوفاء: "نعم"، التي تنم عن الرِّضا التَّام والمطلق بما هو سائد؛ بل، هو الإنسان الذي يتوسل آليات النَّقد الرَّافضة لكل أشكال التَّدجين والدَّمج القسري في رحى المجتمع، هذا ما عبَّر عنه سعيد قائلًا: "من الممكن تقسيم المثقَّفين الَّذين عاشوا أعمارهم كلها أفرادًا في مجتمعهم، إلى المنتمين واللامنتمين، بصورةٍ ما؛ أي من ناحية معينة، فأولئك الذين ينتمون انتماءً كاملًا إلى المجتمع، بحالته القائمة، وتزدهر أحوالهم فيه، دون أن يغلبهم الإحساس بالنشوز عنه، أو الاختلاف معه؛ أي من يمكن أن نصفهم بأنهم من يقولون (نعم). وعلى الناحية المقابلة، نجد الذين يقولون (لا)؛ أي أولئك الأفراد الذين هم في شقاق مع مجتمعهم، فهم لا منتمون، ومنفيون في ما يتعلق بالمزايا، والسُّلطة، ومظاهر التَّكريم".

ماذا تمثل حالة اللاَّجئين بالنسبة إلى مثقف كبير كإدوارد سعيد؟ إنها تعبر، لامحالة، عن أشد أنواع الظُّلم، والذي ليس يلحق فردًا بعينه، وإنَّما يشمل الجماعات؛ إذ كيف يمكن للاجئٍ استوطن بلدًا آخر؟ كيف باستطاعته معاودة زرع الجذور في مكان بين اثنين؟ دعونا نفكر في وضعية اللاَّجئ؛ هو المنفي من بلده الأصلي، ليجد نفسه في مكان على الحدود مع بلد آخر. وهذا (البَين بَين) يجعل منه، لا محالة، كائنًا يعيش نوعًا من التَّمزق الدَّاخلي؛ فهو الفرد الذي لا يتمتع بمواطنة البلد الذي ينتمي إليه، ولا يتمتع بمواطنة البلد الذي أتاه لاجئًا. هذه الوضعية التي يعيشها الإنسان اللاَّجئ في عالمنا المعاصر، ويعيشها كل إنسانٍ في هذا العالم، هي الَّتي كرَّس سعيد جهوده للدِّفاع عنها، إيمانًا منه أن دفاعه ذاك هو دفاعٌ عن إنسانية الإنسان، بصرف النَّظر عن دينه أو عرقه أو الأصل الذي ينتمي إليه؛ ذلك أن المثقَّف يُعرَفُ بكونه إنسانًا كونيًّا: لا دين يتعصب إليه، ولا هوية منغلقة ينتسب إليها. إن المثقَّف الحقيقي هو الذي يقف مدافعًا عن الإنسان.

يقول سعيد في هذا الباب: "أعتقد أن العامل الأهم، الذي كثيرًا ما يُغْفَلُ عنه في مسألة الهويات؛ هو دور التَّربية، فمعظم تقاليد التَّعليم وطنيةٌ على نطاقٍ ضَيِّقٍ. يقولون: نحن ننحدر من تقاليد عظيمة، من الآباء المؤسِّسين، وهكذا دواليك، ولكنَّهم يشيرون، ضمنيًّا، إلى أن التَّقاليد الأخرى دونية، وهذا فظيع، وعلينا تغييره بسرعةٍ، والتَّشديد على رؤيةٍ أوسع وأشمل للإنسانية".

3- المثقَّف والسُّلطة: في البحث عن الحرِّية

إن أشد أنواع العلاقات بؤسًا بين المثقَّف والسُّلطة، أن يكون المثقَّف خادمًا طيّعًا للسُّلطة، مع علمه بفسادها. هذا حال فئةٍ من المثقفين في العالم العربي؛ حيث تتسم السُّلطة بشموليتها بالصفات الآتية: غياب الفردِ، وانعدام الحريةِ، وحضورٌ مبالغٌ فيه للحزب الواحد، على الرغم من المظاهر السَّطحية والشكلية التي توحي بتعدد للأحزاب. وفي هذه الوضعية المأساوية التي تعيشها المجتمعات العربية، بدل أن يلعب المثقفون دورهم في زحزحة الوثوقيات التي تحيط بالسُّلطة، تجدهم يبررون آليات اشتغالها، مكتفين بتبرير الحال والمآل، "هؤلاء مثقفون خانوا دورهم الطبيعي كحملةٍ لمعول النقد في وجه كل سلطة أو مؤسسة، وتحرص على تقديم رأيها، وكأنه الحق المطلق. في هذه الخيانة التي يقترفها المثقف تجاه دوره النقدي ووظيفته التنويرية، يحكم على نفسه بأن يتحول من لسان ناطق بالمنزع العصبوي، إلى كائن يرتضي النهوض بدور تافه هو الدفاع عن القبيلة كائنًا ما كان أمرها". للمثقف دور أساس في المجتمع، يستمع إلى نبضاته، دون أن نفهم من هذا الدَّور ضرورة تحول المثقَّف إلى بوق يردد رغبات المجتمع، أيًّا كان شكلها.

يتجلى دور المثقف في قدرته على إماطة اللِّثام عن الحقائق، وكشف الأوهام التي تلتصق بالسُّلطة كما المجتمع، والأكثر من ذلك، قد يتحول المثقَّف إلى كائن شكَّاك بامتياز، لا يميل إلى الجاهز والسَّائد والشَّائع؛ فتجده، بحكم كفاءاته العقلية والأخلاقية، قادرًا على خلق عدم اليقين لدى رجال السُّلطة، ويتنقل بخفّةٍ من موقعٍ إلى آخر، دون إمكانية ضبطه وخندقته في ركنٍ ما؛ فالمثقَّف الحقيقي شبيه بالرَّحالة، بتعبير إدوارد سعيد، ولا يطمئنُّ إلى الموقع، وزمنه لا يعرف الرُّوتين، وخاصيّة المثقَّف الأولى هي: الحرِّية، خلافًا لأصحاب السُّلطة وعشَّاق الكراسي، أولئك الذين لا يرغبون في التَّغيير؛ حيث أملهم الوحيد أن يظل الزَّمن راكدًا، "تقضي صورة الرَّحالة على القوَّة؛ بل على الحركةِ، وعلى إرادة المُضي إلى عوالم مختلفة، واستخدام لغاتٍ مختلفةٍ، وفهم تشكيلةٍ منوّعةٍ من ضروب التَّنكُّرِ، والأقنعة، والبلاغات. وعلى الرحَّالة أن يُعَلِّقُوا مطالبتهم بالرتابة المعتادة، كي يعيشوا إيقاعاتٍ جديدةً، وطقوساً جديدةً. والأهم من ذلك كله، والأشد اختلافًا عن الحاكم، الذي يضطرُّ لأن يحرس مكانًا واحدًا، ويدافع عن حدوده: أن الرحَّالة يَعْبُرُ الحدود، ويجتازُ المناطق، ويهجرُ المواقع الثَّابتة، طوال الوقت". في النتيجة، يحتلّ كل من المثقَّف ورجل السُّلطة موقعين مختلفين؛ الأول: هو الحرية، وما يَتَّصِلُ بها؛ من نقدٍ، وعدم ارتياحٍ إلى ما هو معطى. في حين يعمل الثَّاني قدر المستطاع حفاظًا على الوضع كما هُوَ.

يُعَدُّ إدوارد سعيد، من دون شكٍّ، من بين المفكرين الأكثر مقاومة لآليات اشتغال السُّلطة الَّتي تهدف إلى خلق أفراد تعوزهم القدرة على التَّفكير والنَّقد، وقد اتَّخذ لنفسه مسارًا في التَّفكير قوامهُ الدِّفاع عن الحقِّ وقول الحقيقة، وليس في الأمر ادعاء لنبوةٍ، لكنَّ واجب المثقف، في نظره، هو: "الافتراض دائمًا أن المسؤولين الرَّسميين، والإداريين، وأصحاب السُّلطة والقرار، وما إلى ذلك، يُمَثِّلونَ موقفًا. وهم متواطئون في الحفاظ على كراسيهم وسلطتهم؛ لذلك، يكمن دور المثقَّف، كما أراه أنا على الأقل، في التحدّي باستمرار، من أجل ذكر الأسماء والكشف عن الحقائق". هل هناك دورٌ أنبل من قول الحقيقة للسُّلطة دون لفٍ ودوران؟

4- المثقَّف والسُّلطة: في نقد المثقَّف المحترف

يَلْحَظُ قارئ مؤلفات إدوار سعيد، دفاعه المستميت عن المثقَّف في وجه كافة الإغراءات الَّتي يمكن لرجال السُّلطة تقديمها؛ ذلك أن المثقَّف شخصٌ يعيش في صراعٍ دائمٍ ضد الوصاية التي يفرضها رجال السُّلطة على المثقفين. من ثمَّ، يشير إدوارد سعيد إلى نوعين اثنين من المثقفين؛ الأول: ينعته بالمثقَّف الهاوي. أما الثَّاني: فيسمّيه المثقَّف المحترف؛ المثقف الذي يشتغل وفق البرنامج الذي تُعِدُّهُ مؤسَّسة ما، هذه المؤسَّسة التي لا تعمل في نهاية المطاف، سوى على خدمة المصالح العليا للسُّلطة السِّياسية. يُعْرَفُ المثقَّف الأول بسماتٍ تختلف، في أجزاء كبيرة منها، عن المثقَّف الثَّاني، والملاحظ في العالم أجمع، وفي العالم العربي، على وجه الخصوص، حِرصُ المثقَّف، وقد يكون حرصًا دافعُه حسن النِّية، على الوفاء لقيم المؤسَّسةِ التَّابع إليها. ينبِّهنا إدوارد إلى جملة المزالق التي قد يقع فيها المثقَّف المحترف، لا من خلال انتمائه إلى المؤسَّسة في حد ذاتها، وإنما نظرة المثقَّف إلى عمله، باعتباره "شيئًا يؤديه لكسب الرِّزق، ما بين التَّاسعة صباحًا والخامسة مساءً، وعينه على السَّاعة، والعين الأخرى مصوبة نحو ما يُعتبره السُّلوك المهني الصَّحيح؛ أي عدم قلقلة المركب، وعدم الانفلات خارج النَّماذج أو الحدود المقبولة، وأن يجعل نفسه قابلًا للتَّسويق، وقبل كل شيء، لائق المظهر، ومن ثمَّ، يصبح لا خلاف عليه، ويصبح غير سياسيِّ؛ بل يصبح موضوعيًّا".

يخضع المثقَّف المحترف، مقارنةً بالمثقف الهاوي، إلى مجموعة من الضُّغوطات التي تجعله بعيدًا عن التَّطلعات والآمال التي ناضل إدوارد سعيد من أجلها، أما هذه الضغوطات التي يرزح المثقف المحترف تحت نيرها؛ فأربعة أساسية، نشير إلى اثنين منها: التخصّص أولًا. والانتماء إلى السُّلطة ثانيًا. ذلك أن الطَّابع الذي أصبحت المعرفة تتسم به في العالم المعاصر، فرض على المثقف الانحسار أكثر فأكثر ضمن دائرة تخصصه، والتَّخصص، يقول إدوارد سعيد: "يقتل الإحساس بالإثارة والاكتشاف، وهما عاملان يدخلان في تكوين كل مفكر، ومن المحال اختزالهما أو التقليل من شأنهما. وفي نهاية المطاف، يمسي التخصص، على نحو ما أحسست طول عمري، كسلًا؛ حيث تنتهي إلى أداء ما يأمرك به الآخرون، لأن هذا هو تخصصك على أية حال"[13]. بالإضافة إلى ذلك، نعتقد أن التَّخصص، وإن كان هو السِّمة الأبرز للثَّقافة الحديثة والمعاصرة؛ فإنَّه يُفسد ملكة التَّفكير لدى المثقفين والأفراد؛ إذ يدّعي كلّ واحد، انطلاقًا من مجال اختصاصه؛ أنَّه مالكٌ للحقيقة. أمَّا النَّوع الثَّاني من أنواع الضُّغوط الَّتي يتعرض لها المثقف المحترف: فهو الانصياع التَّام إلى آليات اشتغال السُّلطة، والامتثال إلى الآراء الَّتي تريد المؤسَّسات السِّياسية فرضها على الجميع.

إن على المثقف الحرِّ، اليوم، تفكيك كافَّة المعتقدات الدوغمائية التي تريد السُّلطة السِّياسية ترسيخها لدى الأغلب الأعمِّ من مواطنيها. ونحن نعلم أن المثقف الحر أو المثقف الهاوي، على حد تعبير إدوارد سعيد، يشكِّل، لا محالة، أقليةً في مقابل أغلبيةٍ، همُّها خدمة السُّلطة السِّياسية، ولو في أشكالها الأكثر توتاليتارية.

نخلص من كل ما سبق، إلى "أنّ على المثقّف اليوم أن يمثل مجموعة مختلفة من القيم والمزايا، وسوف أطلق على هذه المجموعة اسمًا عامًّا: هو (روح الهواية)، ومعناه حرفيًّا؛ ذلك النشاط المدفوع بنزعة الحرص والحب، لا بالربح والتخصص الأناني الضيق".

5- المثقف والسلطة: في نقد السلطة المرجعية للمعرفة الغربية

ليست رؤية إدوارد سعيد للآخر تصدر عن إحساس بالنَّقص تجاه الغرب؛ إذ يلحظ المطلع على مؤلفاته مدى قدرته الاستيعابية لكل الخطاب الغربي، فنحن أمام شخصٍ يقاضي الغرب بناءً على تراكماتٍ تاريخيةٍ للدِّراسات الشَّرقية، في حين أن نظرة الغربي إلى سعيد لم تخرج عن الكليشيهات، التي تلصق عادةً بالعربي، وخصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ "إذ يشيع اتِّفاقٌ في الرَّأي، ويكاد يكون إجماعًا، على أنَّه غير موجود سياسيًّا؛ فإذا سمح له البعض بالوجود، اعتبروه؛ إمَّا مصدر إزعاجٍ، أو شخصًا شرقيًّا وحسب". هي النَّظرة النَّمطية السَّائدة، والقوالب الجاهزة الَّتي يُصاغ فيها كل عربيٍّ مسلمٍ.

يتأسس الاستشراق على مقدمةٍ أساس، وهي: ثنائية الشَّرق والغرب؛ شرقٌ بتصوراتٍ غربيةٍ لغربٍ كان هاجسه السَّيطرة على الشَّرق، بتوسل الأدوات المنهجية والمعرفية الكفيلة بذلك؛ فالشَّرق قاصرٌ عن إدراك ذاته، كما هو عاجزٌ عن تقديم نفسه لهذا الغرب، والذي نصَّب نفسه السَّيد الأول؛ لهذا السَّبب شرَع العديد من المستشرقين، وعلى جميع المستويات، برسم الحدود بين الشَّرق والغرب، محاولين تكريس الفروق وإحداث الفواصل.

لا نستطيع في ظلِّ إرثٍ كبيرٍ من المؤلفات والكتب، نكران الاختلاف الكامن بين عالمين اثنين، غير أن رفض إدوارد سعيد كان لوصاية الغربي على الشرقي، والصورة الخيالية الَّتي رُسمت لهذا الأخير.

ثمّة من التعريفات للاستشراق ما يشكل حلقات يشدُّ بعضها بعضًا؛ إذ يُعَرَّفُ بدايةً بأنَّه: (مبحث أكاديمي يشمل أطيافًا عدَّة من التَّخصُّصات: الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والتَّاريخ، وفقه اللُّغة)[16]، وهو ثانيًا: يقوم على أسَّاس التَّمييز المعرفي والوجودي بين الشَّرق والغرب، ويشمل كتَّابًا، مثل: أيسخولوس، وفكتور هيجو، وكارل ماركس. وأمَّا ثالثًا: فمعاني الاستشراق: جمعٌ للبعد الأكاديمي والخيالي؛ حيث إن الغاية منه استعبادُ الشَّرق وإخضاعه، ويعرف الاستشراق، سلبًا، باعتباره: (ليس مجرد موضوعٍ، أو مجالٍ سياسيٍّ يتجلَّى بصورةٍ سلبيةٍ في الثَّقافة، أو البحث العلمي، أو المؤسَّسات. ولا هو مجموعة كبيرة غير مترابطة من النُّصوص المكتوبة عن الشَّرق، وليس تمثيلًا ولا تعبيرًا عن مؤامرة إمبريالية "غربية" دنيئة تهدف إلى إخضاع العالم "الشرقي"). النتيجة أن: الاستشراق، وإن كان يدّعي أنَّ له أبعادًا أكاديميةً تتوخى الدِّراسة العلمية للشَّرق فهو، في العمق، يهدف إلى الهيمنة على الشَّرق وإرغامه على أن يكون خطابًا متماسكًا ومنسجمًا سَندهُ مؤسسات اقتصادية، وسياسية، واجتماعيةٌ. يرتبط المستشرق ارتباطاً قويًّا بمصالح قومه، حتَّى لو تعلّق الأمر بمجالاتٍ بعيدةٍ كل البعد عن السِّياسة: "فهذا جان ستيورات ميل (الفيلسوف)، وماثيو أرنولد (الشَّاعر والنَّاقد)، وتوماس كارلايل (الأديب والمفكِّر)، وفرنسيس نيومان (المصلح الدِّيني)، وتوماس مكولي (المؤرخ)، وجان رسكين (النَّاقد الفني)، وجورج إليوت (الرِّوائية)، تشارلز ديكنز، نفسه، (الرِّوائي)، كانت لهم آراؤهم المحدَّدة بشأن الامتيازات العنصرية والإمبريالية".

لا يخفي إدوارد سعيد في دراسته للمعرفة الغربية في الشرق، المعضلات الأساسية في التَّعامل مع التُّراث الهائل للاستشراق، على المستوى الكمِّي من ناحية، وامتداده الزَّمني من ناحيةٍ أخرى، لينتهي به المطاف عند "الخبرة الأنجلوفرنسية والأمريكية بالعرب والإسلام، وهما الموضوعان اللَّذان ظلَّا يمثلان الشَّرق على مدى يقارب ألف عام". قد يعترض معترض، هنا، بالقول: لماذا إهمال الاستشراق الألماني، والإيطالي، والروسي، والإسباني والبرتغالي؟ إن الأمر يتعلق أولًا: بضخامة النُّصوص الاستشراقية الأنجلوفرنسية، واتِّساقها الدَّاخلي. ثانيًا: "الخطوات الكبرى في الدِّراسات الشَّرقية، قد اتُّخذت أول ما اتخذت إمَّا في بريطانيا أو في فرنسا، ثم زاد عليها وطورها الألمان". ثالثًا: تفكير الألمان، مثلًا، في الشَّرق كان من خلال وعبر الدِّراسات الفرنسية والإنجليزية. على سبيل المثال ديوان "الشَّرق والغرب" لغوته، وكتاب فريدريك شيلر "لغة الهند وحكمتها"؛ ألَّف الأوّل الكتاب على إيقاعات نهر الرَّاين، وأما تأليف الثَّاني للكتاب؛ فكان تحت أسقف المكتبات الباريسية. رابعًا: الاستشراق خارج الدائرة الأنجلوفرنسية والأمريكية، لم يحمل أبعادًا إمبريالية. يختلف، إذن، الاستشراق الألماني عن الفرنسي والإنجليزي، ومن بعده الأمريكي ليلتقيا في مسألة "السُّلطة المرجعية للاستشراق داخل الثَّقافة الغربية". سلطة استهدفها سعيد، منهجيًّا، على مستويين اثنين؛ مستوى أوّل: عبَّر عنه بــ (الموقع الاستراتيجي)؛ أي توصيف موقع المؤلف في واحد من نصوصه، إزاء المادة الشرقية التي يكتب عنها. ومستوى ثاني: هو (التشكيل الاستراتيجي)؛ بمعنى العلاقات الوشائجية الموجودة بين النصوص، أوّلًا، ثم علاقتهم بالثَّقافة ككل؛ ثقافةٌ حسبناها منعزلةً عن الانشغالات السِّياسية، في حين أن جميعها تشكل خلفيةً واحدةً في التَّفكير: غربٌ سيدٌ، وشرقٌ عبدٌ.

بين شمولية الاستشراق وانتقائيته، بين كتاب جيل مول "سبعة وعشرون عامًا في تاريخ الدِّراسات الشَّرقية" الذي أحاط فيه بمجمل المعارف الشرقية، وكتاب جوستاف دوجا "تاريخ المستشرقين الأوربيين من القرن الثَّاني عشر إلى القرن التَّاسع عشر" الذي يرصد الشَّخصيات الرَّئيسة فقط؛ يعيب سعيد على المستشرق كونه حاور الشَّرق، واتَّصل به من خلال النَّصوص وعبرها؛ فقد كان الشَّرق، في نظرهم، عالمًا نَصِّيًّا قوامه المخطوطات، نتج عنه، إلى جانب المعرفة الدقيقة بالشَّرق، معرفةً أخرى، أقلَّ موضوعية، أو حسب تعبير إدوارد سعيد: معرفة من الدرجة الثانية: "وهي التي تختبئ في بعض المواقع؛ مثل الحكاية الشرقية، وأسطورة الشَّرق الغامض، والأفكار الخاصَّة باستعصاء فهم آسيا، وهي التي وصفها كيرنان وصفًا موفَّقًا حينما قال: إنها (حلم اليقظة الجماعي الأوروبي عن الشَّرق). إجبار الشَّرق، إذن، على المثول أمام ذهن المستشرق من خلال الكتب، زال في اللَّحظة التي جاست فيها أقدام المستشرق أرض الشرق؛ "إذ إن بعض المستشرقين الألمان في أوائل القرن التَّاسع عشر، كُتِبَ لهم الشِّفاء التَّامُ من أذواقهم الاستشراقية، عندما شاهدوا بأعينهم تمثالًا هنديًّا له ثماني أذرع".

مَن منا يزعم أنَّ لديه قدراتٍ ذهنية، لقَبول الأشياء المجهولة، كما هي، دون إضفاء العقل لصفاتٍ قبليةٍ عليها؛ إذ لسنا نستسيغ المجهول، وغالبًا ما تجدنا نرتاح إلى المعتاد، ونسكن إلى المألوف. إنَّنا نمسح على أمكنة تواجدنا اليومي مسحةً شعريةً، نرتفع بها إلى عالمٍ تخيليٍّ لا تربطه بالعالم الموضوعي أية صلة؛ "فالمكان يكتسب معنى عاطفيًّا؛ بل ومعنى عقلانيًّا، من خلال لون من تحول الشعري الذي يؤدي إلى تحويل الأصقاع الخالية إلى "معان" محددَّة لنا هنا". كذلك كان الغرب في نظر المستشرقين مألوفًا، وكان الشَّرق أرضًا خواء، لقد تعسَّفوا في رسم الحدود الجغرافية التي ما هي بالإلهية ولا بالطَّبيعية، فكنا "نحن" وكانوا "هم"، وأُجبرَ الشَّرق على الحديث من خلال وعبر آخره.

هو، إذن: شرق أُريد له أن يكون خشبة مسرح بمعالم غرائبية؛ أبو الهول، وكليوباترا، وجنَّة عدن، وطروادة، وسدوم، وعمورة، وعشتروت، وإيزيس، وأوزوريس، وسبأ، وبابل، والجن، والمجوس، ونينوى، بريسترجون، ومحمد ...إلخ.

على سبيل الختم:

لقد كان حرص إدوارد سعيد الكبير يتمثَّلُ في إظهار، أولًا: المعاني الحقيقة لمفاهيم: الهوية والمثقَّف والسُّلطة، وإبراز العلاقة الممكنة بين المثقف والهوية من جهةٍ، والمثقَّف والسُّلطة من جهةٍ أخرى. بهذا المعنى؛ دافع إدوارد سعيد عن مفهومٍ للهوية، لا يخندق الفرد في قوالب جامدة تبعده عن ما هو كوني وعالمي، هذه الهوية هي التي تصف، في نهاية المطاف، المثقف الهاوي: بأنه المثقَّف الَّذي لا يمتثل إلى قواعد الجماعة السياسية أو الاقتصادية أو الدينية؛ فدور المثقف الأساس: هو زحزحة اليقينيات المطلقة، سواء تلك التي تخص الفئة التي ينتمي إليها، أو الفئات الثقافية الأخرى.

هكذا، شكَّل نقد إدوارد سعيد للثَّقافة الغربية أحد المهمَّات التي كرَّس لها جهودًا كبيرةً، اعتقادًا منه أن جزءًا من هذه الثَّقافة الغربية، إنَّما اهتمَّ بدراسة الثَّقافة العربية الإسلامية من خلال الأطر القبيلة الجاهزة.

 

عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود