حركة خارج السرب | الفلاسفة وكبوة الجنون : الجنسانية والمرأة والثورة على القيم
الفلاسفة وكبوة الجنون : الجنسانية والمرأة والثورة على القيم
2019-07-20 | 1611 مشاهدة
محمد بصري
مقالات

 

بقلم :محمد بصري

الغريب ان فوكو البنيوي والتوسير الماركسي البنيوي كانا في نفس المصحة العقلية تحت اشراف عالم النفس الفرنسي اللامع “جون ديلا “.لكن المؤسف ان التوسير انتهى بشنق زوجته حتى الموت سنة 1980 وأًدخل اقامة جبرية شديدة الحراسة، في الوقت الذي استفاد ميشال فوكو من الحجز الاجباري في غرفة انفرادية،

الشيء الذي مكنه من توسيع القراءات والتهام كتب الماركسيين ورسائل هيدغر وشطحاته الوجودية كما جعله قاريء جيد  للوضعانيين والمناطقة الحداثيين .يقول عنه نايجل رودجرز وميل ثميبتون في كتابهما التأريخي لسير الفلاسفة  “جنون الفلاسفة”. ان الابقاء على فوكو في المصحة قد افاده كثيرا من البقاء مع رفقة السوء والمثليين وقلل من توجهه العصبي ونهمه الجنسي.فوكو ايقونة وظاهرة نادرة في فسيفساء الفكر المعاصر. الظاهرة الفوكوية التي جمعت النقائض تلخص ازمة ومحنة المفكر الفيلسوف الذي لا يكتب إلا حوادثه ومنطقه الخاص وسيرة ذاتية كئيبة هي اشبه بالكوميديا السوداء.فكر مزج بين الايروسية الغربية والحاجة الجنونية للجنس والسادية مع انبثاق ثقافة فهم الانظومات الغربية ووكأنه كوكتيل وطاحونة عابرة للتجربة الانسانية المغايرة. من سجن ومدرسة ومستشفى وعقاب.كان لزاما على اي مثقف فيلسوف ان يمر الى الفلسفة عبر بوابة هيدغر هذا الاخير هو الشفرة المفتاحية لولوج عالم الحضور الهلنستي في وجه متلازمة الغياب الميتافيزيقي الهليني. انتهى فوكور بوضع اكبر الثقافات الفلسفية الغزيرة والنافذة لكنه حرم نفسه وأحرق عقله كقربان في معبد روماني كئيب .الجنون كان رافدا للفلسفة لكن الثمن كان  باهظا جدا  انها شخصانية الفيلسوف وميراثه الاخلاقي الثقيل وفوضى الحرمان .انه فكر يعاني البلبلة والرغبة لتعيش افكاره بين فوضى ووفق الفوضى .

كان نيتشه فريديريك (1844/1900) يكتب عندما يصبح عصبيا لا يطاق وقد أثر فيه مرضه المزمن التهاب الجيوب الانفية .وتزداد ثورته عندما يكتب عن القيم الجاهزة والدينية والمسيحية .فلم تجعل منه اسرته البروستانتية المتدينة ولا ابوه القسيس الشاب، رجل قيم أو يافع متدين بل كان كل حنقه موجه للطهارة الاورشوفيكية التي تتبدى في سلوك الاباء اليسوعيين وهم يذرفون الدموع في قراءة التعاويذ الانجيلية. البروستانتية حسبه هي الخطيئة الكبرى الاصيلة والأصلية  للفلسفة.الالم والقلق والكآبة المفرطة والتجهم من فوضى الاشياء وعفونة الواقع هي اسلحة الكتابة.لان ادب الصالونات وخُطب الأكاديميين لا يصنعان فلسفة بل نرجسية كاذبة وتسابيح ثقافية الغرض منها الاحتفال المعرفي والتزلف  اكثر منه التغيير.وهو الذي كان يقول نقلا عن كتاب جنون الفلاسفة “لست احب من الكتابات إلا ما يكتبه الانسان بدمه.اكتب بالدم تجد ان الدم روح…” كتابات هذا الرجل القصير الأحور صاحب الشارب الكث والابتسامة الاحتقارية هي أخر حلقات الثورة على زواج القيم بالمدنية واتحاد الرعوية العقدية بالسياسة في فلسفات التنوير . مطارق النقد لجاهزية القيم أنجبت مجتمعا حضاريا مكتملا هو الآن يشرب نخب انتصاراته الحضارية .لم يكن نيتشه صاحب كتاب “أفول وسقوط الاصنام” مجنونا بل المجانين هم النحن و الانت الذين بحثوا عن الملهاة في ثقافة السخرية.الجنون والتشرد هما قميص المفكرين وأقلامهم الجريئة التي تفوح منها روائح الثورات.الثقافة ليست كرسيا ناعما وراتبا خياليا وأسفارا اقحوانية يتنقل فيها هواة الانثلنجنسيا بشائر التثاقف والمعرفة الجوالة تحت أسر الوعظ والكلم العبق بنفاق الارتياب. نيتشه يملك فرادة الثائر الالماني فالآلة الالمانية انجبت فكرا صلبا عصيا على التأمل .كما انجبت الثقافة الايطالية غرامشي مثقف الرفض.”الروح المعذبة” كما كان يحلو لزملاء دراسته تلقيبه بها كان ضد الانتساب ناقدا للانتماء متنكرا للعناوين والوصفات الايديولوجية .مثاليا في تمرده ومتمردا في افقه.

نيتشه اعجوبة الفكر في تاريخ العقل ابشري. نيتشه والمرأة ضدان لا يتفقان.
لا يوجد فيلسوف عاشق للموسيقى متذمر من الانوثة والنساء فوق الارض وعبر تواريخ الحب الممزوج ببلاسم الحكمة ” كفريدريك نيتشه. هو مفكر ناذر من طينة حكماء لا يتكررون إلا في ارحام الدراما السوداء والكوميديا القاتمة. لطالما اشاد بأوبيرا” كارمن “لإنوجادها في حضيض السلوك المخدر بعواطف الشر ضد الاقدار الساخرة.يروق لنيتشه قتل العشيق لعشيقته في الاوبرا تنكيلا بنساء الارض جميعا .الحب بالنسبة اليه كما تقول لومونييه في كتابها “الفلاسفة والحب ” هو اعلان حرب. هو تجيشش لعواطف ملتهبة متطرفة تصعد الى السماء لتهوي كقطع الثلج البارد فالمرأة النتشوية تَحوّل حرارة الهيام والعشق الى مكعبات من الصقيع البارد.الانثى عند هذا الفيلسوف القصير القامة الكث الشوارب دمية وضحية ماكرة تجيد تعذيب جلاديها.فالكبت والتخاذل الاخلاقي وفوبيا الجنس تحولت في الحضارات الى محركات سلبية لرغبات التغلغل والتغول القهري.فوراء كل رجل قوي انثى ماكرة تبتلع تاريخه لتحوله الى الياذة عشق سريري .فالفضائحية والايروسية شكلت نظاما من الالهة التي تشيد بفنون العواطف التي لا تعدو عن كونها ملهاة تعصف بقوة الرجل السامي وسمو القوة ضد فيضان القهر المسيحي والاخلاقي العقيم.عندما يتحرر الانسان النبيل الحر من الدنس والضمير والجنسانية المقهورة سيصنع حضارة .هذا كل ما تبقى من ارشيف طمسته اخت نيتشه الاوزة العرجاء او كما كان يسميها “الاوزة الكارهة للسامية”

بين كلود ليفي شتراوس المبدع الانتروبولوجي وجون بول سارتر عداوة ايديولوجية وعلموية، الى حد توصيف احدهما الاخر بألفاظ غليظة وفاجرة تجاوزت المعايير الاكاديمية وقد كانت صدمة كلود ليفي شترواوس عندما قرأ مذكرات احدى الطالبات لسارتر تدعى “بيانكا لاملانب في كتاب “مذكرات فتاة مزعجة” لم يتوانى شتراوس من وصف سارتر “بالنجس السافل” ويمتد صراعهما منذ 1943 ولم تنطفئ جذوته حتى بعد موت سارتر، لان العالم الانتروبولوجي كان متزمتا في عقائده وقيمه. وصف الوجودية بأنها اتلاف للروح الاخلاقية الاوروبية خاصة في شكلها الالحادي القاسي.

في كتاب الفلاسفة والحب يصف الكاتب كوريزو مالابارت سارتر وسيمون دو بوفوار “بعرابين ملعونين وقطيع شرس من ابناء الحرية” فالوجودية الثورية الرافضة للقيم والمبادئ المحنطة كما يسميها سارتر انجبت نظاما قيميا عبثيا ومقلقا كلف اوروبا احترامها وهز مفاصل الفلسفة والمنطق وأعاد الفكر الى مهام البدء.

الفلسفة لم تكن لتنجب أفكارا وثابة لولا مساهمة الجنون وفورة الغضب لدى صناع الوعي البشري .انعمتم صباحا .

 

عن: كوة