يعد التمييز الديني -وهو ما يدين به الإنسان- من أخطر أنواع التمييز وأشدها خطرا على الإنسان وعلى المجتمع معا؛ وذلك لأن الدين له عمق في نفس الإنسان على نحو عام، وله تأثير كبير في شخصية الإنسان المتدين على نحو خاص. والتمييز الديني أو التعصب الديني هو ذلك التمييز الذي يقوم على أساس الدين، ويستتبع الشعور بالتمييز والتفوق على الآخرين لامتلاك الحق والحقيقة، والنظر إلى الآخرين المخالفين بحقد وكراهية أو ازدراء، والإساءة للآخرين والاعتداء على حقوقهم الإنسانية.
وتعني عبارة التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد في إعلان الأمم المتحدة بشأن التعصب الديني في عام 1981، (أي ميز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الدين أو المعتقد ويكون غرضه أو أثره تعطيل أو انتقاص الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على أساس من المساواة).
إن التمييز الديني هو التفريق في المعاملة بين مجموعة من الناس يؤمنون بدين ما أو عقيدة ما وبين مجموعة أخرى من الناس لهم دين آخر أو معتقدات أخرى. ويترتب على التمييز بسبب الانتماء الديني أو العقدي منح المجموعة الأولى المنتسبة له حقوقا وحريات وامتيازات وحرمان المجموعات الإنسانية الأخرى غير المنتسبة له من تلك الحقوق والحريات. مثل التمييز الذي يمارسه المتدينون بحق غير المتدينين أو التمييز الذي يمارسه غير المتدنيين بحق المتدينين، ومثل التمييز الذي يمارسه أتباع الديانات السماوية بحق بعضهم بعضا، كالتمييز الذي يمارسه اليهود كديانة بحق المسحيين والمسلمين في فلسطين، ومثل التمييز الذي يمارسه المسيحيون في بعض الدول الأوربية المسيحية بحق المسلمين، ومثل التمييز الذي يمارسه بعض المسلمين بحق المسحيين كأقلية في بعض الدول العربية والإسلامية.
ويطبق هذا التعريف أيضا على التمييز القائم على أساس مذهبي- وهو ما ينسب إلى المذهب، وهو المعتقد الذي يذهب إليه الإنسان-في داخل العقيدة الواحدة، والديانة الواحدة، مثل التمييز الذي يمارسه الشيوعيون ضد بعضهم بعضا باختلاف دولهم ومناطقهم، وكالتمييز الذي تمارسه بعض المذاهب والطوائف المسيحية ضد مذاهب وطوائف مسيحية أخرى، وكالتمييز الذي تمارسه المذاهب والطوائف المسلمة بحق بعضها البعض. ومثل هذا التمييز العقدي والفكري من داخل العقيدة والديانة الواحدة، قد شهد انتهاكات صارخة بحقوق وحريات المجموعات المذهبية وصلت إلى درجة التنكيل والتعذيب والقتل، بل الإبادة الجماعية مثل ممارسة التنظيمات الإرهابية التي تنتمي إجمالا للمذهب السني ضد أتباع المذهب الشيعي في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها.
وينطبق هذا التعريف أيضا على التمييز القائم بين أنصار وأتباع المرجعيات الدينية في داخل العقيدة الواحدة والمذهب الواحد، وهو تمييز يقوم على أساس اجتهادات فكرية داخل المذهب الواحد، حيث يتعرض أنصار وأتباع بعض رجال الدين في المذهب نفسه إلى تمييز متعمد من طرف أنصار وأتباع رجال دين آخرين، يتمتعون بسلطة دينية وسياسية ومجتمعية أكبر من غيرهم، ولهم أموال وحقوق يصرفونها على أنصارهم وأتباعهم أكثر من غيرهم.
من هذا المنطلق، باتت حماية الحريات الدينية قضية ملحة في السنوات الأخيرة، نظرا لأن السبب الرئيسي للكثير من النزاعات المأساوية في أنحاء متفرقة من العالم يعود إلى عدم التسامح والاضطهاد الديني، وما يتصل بذلك من تعصب عرقي وعنصرية وكراهية فئات محددة من الناس. وتتجلى مسألة الاضطهاد الديني في النزاعات الحالية بين من يؤمن بالدين ومن لا يؤمن به، وبين الديانات التقليدية والديانات "الجديدة" في الدول المتعددة الديانات، أو بين دول ذات دين رسمي أو مفضل وأفراد وجماعات لا ينتمون إلى هذا الدين.
وتتنوع انتهاكات الحريات الدينية اليوم وتأخذ أشكالا مختلفة في مناطق مختلفة مثل قمع مختلف العقائد في الصين و"التطهير العرقي" في البوسنة وكوسوفو بضحاياه من المسلمين والمسيحيين، وحالة التوتر في إيرلندا الشمالية، والشقاق الديني على حدود منطقة أفريقيا من جنوب أثيوبيا وحتى نيجيريا وما ينجم عنه من قتل بدوافع دينية، ونلاحظ على صعيد آخر الأهمية المتزايدة للدين في النزاعات بين الهند وباكستان، وبين الهندوس والمسلمين والتي قد تنحو منحى خطيرا بسبب تسلح الفريقين بأسلحة نووية، كما نلاحظ تزايد التطرف الديني في الإسلام وتزايد المشاعر المعادية للإسلام في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا.
فمن أهم الحقائق والنتائج التي توصل إليها تقرير المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب (EUMC) بشأن وضع المسلمين في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي هي: (يعاني الكثير من المسلمين الأوروبيين من العنصرية في العمل والتعليم والإسكان؛ بغض النظر عن أصلهم العرقي و/أو موقفهم تجاه الدين، ويمكن إرجاع التمييز العنصري ضد المسلمين إلى مواقف التخوف من الإسلام إلى جانب الكراهية العرقية؛ لأن تلك العوامل تتداخل مع بعضها في أحيان كثيرة...
فعلى سبيل المثال ترتفع نسبة البطالة بين المسلمين في المملكة المتحدة على نسبة البطالة لأي فئة تنتمي إلى دين آخر سواء للرجال أو النساء. وفي إيرلندا أظهر تعداد عام 2002، أن نسبة البطالة بين المسلمين تبلغ 11 بالمائة في مقابل المتوسط القومي الذي يبلغ 4 بالمائة، وقد أظهرت اختبارات التمييز العنصري أن المسلمين يعانون من التمييز العنصري، ومن ندرة فرص التوظيف... حيث يتم تعيين المسلمين في أحيان كثيرة في وظائف لا تتطلب مؤهلات عالية. بشكل عام تبلغ نسبة المسلمين العاملين بقطاعات الأجور المنخفضة أكثر من غيرهم في المجتمع، وبذلك يقابل الكثير من المسلمين الأوروبيين، وخاصة الشباب منهم، عوائق كثيرة عند محاولتهم للنهوض اجتماعيا. إن هذا يمكن أن يؤدي إلى إحساس بفقدان الأمل والاستبعاد من المجتمع...).
كانت مكافحة التعصب والتمييز الديني واحدة من أهم أولويات النظام الدولي لحقوق الإنسان، منذ بدايات تأسيس الأمم المتحدة. وكان من نتائج أعمالها صدور إعلان الأمم المتحدة بشأن التعصب الديني في عام 1981، الذي نص على أن:
1- لكل إنسان الحق في حرية التفكير والوجدان والدين. ويشمل هذا الحق حرية الإيمان بدين أو بأي معتقد يختاره، وحرية إظهار دينه أو معتقده عن طريق العبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، سواء بمفرده أو مع جماعة، وجهرا أو سرا.
2- لا يجوز إخضاع حرية المرء في إظهار دينه أو معتقداته إلا لما قد يفرضه القانون من حدود تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
3- لا يجوز تعريض أحد للتمييز من قبل أية دولة أو مؤسسة أو مجموعة أشخاص أو شخص على أساس الدين أو غيره من المعتقدات.
4- يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويجب أن يشجب بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وبوصفه عقبة في وجه قيام علاقات ودية وسلمية بين الأمم.
وبالرغم من هذه الخطوات الإيجابية، فإن التعصب والتمييز الديني لا يزالان يتطوران من سيئ إلى أسوأ في جميع أنحاء العالم تقريباً؛ ففي عام 2012، وصلت الأعمال العدائية الاجتماعية المتعلقة بالدين ذروة جديدة، حيث كانت مستويات التعصب "مرتفعة" أو "مرتفعة جداً" لدى 33 بالمائة من الدول في جميع أنحاء العالم، بعد أن كانت لدى 20 بالمائة فقط من الدول في عام 2006/2007.
وفي سبيل منع التمييز الديني والمذهبي، والحد من انتهاكات حقوق الإنسان القائمة على أساس ديني أو مذهبي، فمن المهم تفعيل خطة قرار رقم 16/18الصادر عن مجلس حقوق الإنسان، والتي تضمن القيام بما يلي:
1. خلق شبكات تعاونية لبناء التفاهم المتبادل وتعزيز الحوار والحفز على العمل البناء في مجالات مختلفة؛
2. إنشاء آلية داخل الحكومات لتحديد مجالات التوتر المحتملة بين أفراد الطوائف الدينية المختلفة ومعالجتها والمساعدة في منع نشوب النزاعات والوساطة؛
3. تدريب الموظفين الحكوميين على استراتيجيات التوعية الفعالة؛
4. تشجيع الجهود التي يبذلها الزعماء داخل طوائفهم لمناقشة أسباب التمييز ووضع استراتيجيات لمواجهة هذه الأسباب؛
5. المجاهرة برفض التعصب، بما في ذلك الدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف؛
6. اعتماد تدابير لتجريم التحريض على العنف الوشيك على أساس الدين أو المعتقد؛
7. مكافحة تشويه صورة الناس ووضعهم في قوالب نمطية دينية سلبية والتحريض على الكراهية الدينية بوسائل منها التثقيف وإذكاء الوعي؛
8. التسليم بأن مناقشة الأفكار مناقشة صريحة وبنّاءة وفي جو من الاحترام تلعب دوراً إيجابياً في مكافحة الكراهية الدينية والتحريض والعنف الدينيين.