حركة خارج السرب | هل الفلسفة حقا تطبيقية؟!
هل الفلسفة حقا تطبيقية؟!
2019-04-02 | 1545 مشاهدة
مقالات

بقلم ليزا سعيد أبوزيد

منذ أن نشأت الفلسفة، وهي تتناول موضوعات العصر وقضايا الإنسان الملحة التي تشغل تفكيره ويحاول أن يفهمها، وقد بدأت الفلسفة بتساؤلات الإنسان الكبرى حول الكون والحياة والوجود، ولازالت هذه القضايا مطروحة ومازالت تساؤلات وإشكالات لا تجد لها إجابات قاطعة إلى الآن، حتى لتزال تنبض بالحيوية والأهمية إلى هذه اللحظة.

الفلسفة هي بحث في الكليات بغرض الفهم والتنظير الذي يعد جزءا مهما وممهدا للتطبيق

وحين تفلسف سقراط، فقد تناول موضوعات كلية عامة تهم الإنسان بما هو إنسان، وليس إنسان أثينا فقط، فالفلسفة هي بحث في الكليات بغرض الفهم والتنظير الذي يعد جزءا مهما وممهدا للتطبيق. ولكن لماذا تعالت الصيحات الآن بمستقبل الفلسفة وابتعادها عن الواقع المعيش، واتهامها بعدم القدرة على معالجة المشكلات اليومية للإنسان، وبالتالي لا فائدة عملية تُرتجى منها؟ فلئن كانت الفلسفة كما هي لم تبرح نهجها، ترصد قضايا الواقع وتعبر عن فكر العصر وتطرح القضايا بشكل إنساني عام، فما الجديد يا ترى الذي أدى إلى تصاعد سؤال التطبيق؟

من هنا، كان لنا أن نرجح أن الأزمة ليست أزمة الفلسفة بما هي فلسفة، فهي مازالت تقوم بمهمتها كما اعتادت، ولكن من الواضح أن الأزمة تقبع في فهمنا لمفهوم التطبيق، لذلك سوف تحاول هذه المقالة البحث في تساؤلات من قبيل: ما التطبيق (من الناحية المفاهيمية)، وما هو الفهم المعاصر له؟ ما مهمة الفلسفة من الأساس؟ وما علاقة الفلسفة بالواقع المعيش؟ هل التنظير والتطبيق متضادان أم أنهما متلازمان، حيث يكمل كل منهما الآخر؟ هل يمكن أن يكون هناك تطبيق بلا تنظير؟ وإن كانت الفلسفة لا تعالج مشكلات الواقع المعيش، فلماذا ظهرت فلسفات جديدة متطورة، مثل الفلسفة النسوية وفلسفة البيئة والأخلاق البيولوجية وغيرها من الفروع الفلسفية التي ظهرت كاستجابة لمشكلات الواقع المعيش.

ونريد أن نضرب مثلا بالمؤتمر الأخير لقسم الفلسفة بآداب القاهرة، إذ كان الموضوع المطروح للبحث: "الفلسفة من النظرية إلى التطبيق"، وخلاصة ما تم تقديمه في معظم الأوراق المقدمة للبحث، أنها حاولت تبيان ما للفلسفة من أبعاد تطبيقية وعملية تجعلنا ندمغها بصفة "التطبيقية"، ولكن الإشكالية في الانتقال التطبيقي للأفكار الفلسفية، حتى تنعكس على الواقع والحياة.

ولكن من قال إن الفلسفة تطبيقية من الأساس؟! إن الفلسفة تنطلق من الواقع وتحلل مشكلاته، وتقدم أطروحات نظرية قابلة للتطبيق؛ أي إن المجال الفلسفي فعلا مجال نظري مجرد، وليس واقعيا عمليا، وإن يكن واقعي المصادر والمنطلقات. ولكن، أيمكن أن يعني ذلك عدم تأثيرها على الواقع وعدم وجود فائدة عملية منها؟ بالطبع لا؛ لأن الجانب النظري الذي تقدمه الفلسفة مهم للغاية للجانب العملي، كمخطط للاسترشاد والانطلاق من رؤيته؛ فالفكر النظري يحتاج إلى من يترجمه إلى عملي، وهذه ليست مهمة يضطلع بها الفيلسوف، وإنما هي مهمة المشرعين والقانونيين والاجتماعين والساسة وغيرهم. ولئن وجد في بعض الحالات، القليلة بطبيعتها، فيلسوفا يشرع في تطبيق أفكاره ومذهبه ورؤاه، فإنها بذلك إنما يسلك مسلكا لا فلسفيا... إن جاز التعبير. فلا يحسبن أحد أن الفيلسوف حين ينطلق من النظرية إلى التطبيق، فإنه جعل من الفلسفة مجالا تطبيقيا، وإنما في حقيقة الحال هو من استحال منهجه من منهج نظري إلى منهج تطبيقي.

فلماذا إذن هذا اللبس الحديث لمفهوم النظري والعملي والتطبيق والتنظير، والخلط الكبير بين الفلسفة عموما والفلسفة التطبيقية، والنظر إليهما على أنهما في موقع الثنائيات المتضادة، على الرغم من كون الأمر أبسط من هذا بكثير؟ وهذا ما سوف نحاول توضيحه، سوف نتناول هذه الموضوعات على محورين: يتمثل المحور الأول في التحليل الفلسفي النسوي لثنائية النظر والعمل، ويتمثل المحور الثاني في معالجة قُدمت من خلال جرنال الفلسفة التطبيقية في المملكة المتحدة لكتاب "دليل الفلسفة التطبيقية" يقدم عرضا لطبيعة الفلسفة التطبيقية وفروعها المختلفة وعلاقتها بالفلسفة عموما.

الثنائيات في الفلسفة النسوية

قدمت الفلسفة النسوية تحليلا نقديا لموضوع الثنائيات المتضادة، ومنها: ثنائية النظر/ العمل، والتي يمكننا من خلالها أن نحدد مشكلة كون الفلسفة تطبيقية، فالمشكلة هنا في رؤيتنا للنظر والعمل على أنهما ثنائية منفصلة، بينما هما في الواقع ليسا بثنائية، هما يعملان على خط واحد وفي مسار متصل؛ فدوما ما يسبق النظر التطبيق والعمل، ثم هل يمكن أن يكون التطبيق العمل من فراغ؟ وإذا كان هذا التطبيق من فراغ فماذا عساه يطبق؟! إن مفهوم التطبيق، إنما ينطوي على أنه يطبق شيئا، وماذا عسى أن يكون هذا الشيء سوى "النظرية" أو الرؤية المجردة المعبرة عن فهم عميق ودقيق لحقيقة الواقع؟

منطق الثنائيات المضادة ما هو؟ وكيف يعمل؟

تعد الفلسفة النسوية اتجاها حديثا في الفلسفة، وتتلخص مهمته في الكشف عن غياب المرأة كفيلسوفة في مقابل سيطرة الرجل على المجال الفلسفي. ودوما ما نسمع، حينما يقال لنا أعلام الفلاسفة، سقراط وأفلاطون وأرسطو، لماذا لم يتساءل أحد من قبل أو يتعجب كون هؤلاء الثلاثي المؤسس للفلسفة رجال فقط؟! سؤال مهم وفي حاجة إلى تأمل.

لقد عملت الفلسفة النسوية على محورين مهمين: الأول، إعادة فحص وقراءة التاريخ الفلسفي وتحليله لمعرفة الأسباب التي أدت إلى اختفاء النساء وفضح التحيز الذكوري الذي يملأ الفلسفة التي يدعى أصحابها موضوعيتها ونزاهتها المعلنة. والمحور الثاني، وهو الأكثر إبداعا، ويتمثل في إعادة البناء وطرح مقولات فلسفية جديدة لمعالجة المشكلة الأولى المتمثلة في استبعاد خبرة النساء.

النسوية والثنائيات

إن من بين الأطروحات المهمة التي انصب عليها تركيز الفلسفة النسوية بشكل كبير، كانت أطروحة الثنائيات المتضادة والتفكير الثنائي القائم على الهيراركية الذكورية، والذي يضيق الأفق ويغلق باب التفكير الرحب، كما شكلت ثنائية ذكر/ أنثى بداية الانطلاق في حلّ معضلة الثنائيات.

في البداية، ما الثنائيات؟ تعرفها "لورين كود"، وهي فيلسوفة نسوية معاصرة، بأنها: "تقسيم مفاهيمي قائم على نوعين متنافيين، يتميز أحدهما عن الآخر تميزًا جذريًا، فنجد مثلا ثنائيات، مثل الذكر/ الأنثى والعقل/ العاطفة، يتميز فيها الحد الأول تميزا جذريًا عن الحد الثاني". وتتابع نانسي جاي أهمية وتأثير الجندر/ الجنوسة في عملية التفكير الثنائي، فوجدت أنها تعود إلى منطق أرسطو الذي حصر الموجودات في فئتين فقط: إما أن تكون "أ" أو لا "أ"، وتم تأسيس فكر الثنائيات على هذه القاعدة، وأصبح الفكر الثنائي يقوم على التقسيم الحاد، مثل: روح/جسد، موضوعي/ذاتي، عقل/عاطفة، كلي/ جزئي، معلوم/ مجهول... وهكذا.

وقد كان التحليل النسوي شديد الجدية والدقة؛ لأن هذا التقسيم الذي يضع الأنثى في الطرف الثاني من المعادلة في مقابل الذكر جزء مهم ومؤسس للفكر النسوي، وكان يجب تفنيده في البداية. بيد أن الأكثر غرابة، والذي تكشف مع استمرار البحث، أن الحد الثاني من معادلة الثنائيات دوما ما يأتي صفات أنثوية، ويظهر الرجل دوما حاصلا على الجزء الرابح من المعادلة، وهذه كانت البداية النسوية للبحث والتحري. وكانت ثمرة البحث أن الموضوع لا يتعلق بالأنثى فقط، بل يشمل العالم كله أيضا، والظلم هنا واقع على الآخر المهمش أيًا يكن نوعه، أنثى أو شعوب العالم الثالث أو السود أو البيئة وغيرهم، لذلك فالتفكير الثنائي هو تفكير عنصري في واقع الأمر.

ومن خلال التحليلات النسوية، أصبحت فكرة الثنائيات المتضادة مما ينبغي التخلي عنه؛ لأن موضوعات الثنائيات ليست بهذا الانفصال المعلن عنه، وإنما هي مترابطة تجمعها أواصر الصلة والاشتراك. وقد أكد البحث في تاريخ ظهور هذه الثنائيات أيضا، أن هذه الثنائيات ليست مجرد تقسيم للمفاهيم كما قد يُظَن، وإنما هي تنطوي على تقسيم عنصري جاء أولا وأخيرا لمصلحة الرجل.

هذا التحليل لمعضلة نظري/ تطبيقي، ولكن ماذا عن الفلسفة كمجال نظري؟ هل هي مجردات فقط؟ هل الفلسفة ليست قابلة للتطبيق؟ وماذا عن مصطلح الفلسفة التطبيقية وفروعها المتعددة، مثل الأخلاق التطبيقية والإبستمولوجيا التطبيقية وحتى الميتافيزيقا التطبيقية؟ هذا ما سوف يناقشه المحور الثاني.

يوضح راسموسن بأن الفلسفة التطبيقية هي فرع يقوم باستخدام الطرح والمنهج الفلسفيين لمعالجة موضوعات عملية وواقعية، وتمس الحياة اليومية للإنسان المعاصر

الفلسفة الخالصة والفلسفة التطبيقية

قدم "كاسبر ليبرت راسموسن" في "دليل الفلسفة التطبيقية" مقالته تحت عنوان: "طبيعة الفلسفة التطبيقية". وخلاصة ما يريد أن يذهب إليه راسموسن، أن هناك نوعين متمايزين من الفلسفة: الفلسفة الخالصة أو الفلسفة عموما على إطلاقها من ناحية، والفلسفة التطبيقية التي ظهرت حديثًا من ناحية أخرى، ويوضح لنا أن الفلسفة حقا ليست تطبيقية؛ لأنها تتناول المشكلات الكبرى التي يطرحها الفلاسفة، وهي مشكلات فلسفية بالأساس، مثل: طبيعة الواقع، والحقيقة، والمعرفة، والأخلاق... إلخ. لذلك فهي نظرية إلى حد كبير. ولكن ما الفلسفة التطبيقية إذن؟

يوضح راسموسن بأن الفلسفة التطبيقية هي فرع فلسفي وجانب من جوانب الفلسفة يقوم باستخدام الطرح والمنهج الفلسفيين لمعالجة موضوعات ليست فلسفية بالأساس، وهذه الموضوعات عملية وواقعية، وتمس الحياة اليومية للإنسان المعاصر. "الفلسفة الخالصة" إذن هي الفلسفة المطبَّقة على نفسها؛ أي على المشكلات الفلسفية، مثل طبيعة الواقع والحقيقة والمعرفة والأخلاق وهلم جرا، في حين أن "الفلسفة التطبيقية" هي الفلسفة المطبَّقة على المشكلات غير الفلسفية على نطاق واسع. ولكن لو اعتبرنا أن الفلسفة هي منهجية خاصة في البحث وتناول المشكلات، وكذلك تعتمد على مجموعة من المبادئ الموضوعية، والتي يمكن استخدامها خارج الفلسفة، فيمكننا إذن تناول العديد من المشكلات المعاصرة التي تمسّ الحياة اليومية للبشر مستعينين بهذه المنهجية المنضبطة، وهذا هو الفرع الجديد والمصطلح عليه بالفلسفة التطبيقية.

فالفلسفة التطبيقية إذن فرع فلسفي جديد يخرج من الفلسفة عمومًا كتفريع حديث، يستعين بالمنهجية الفلسفية في تناول المشكلات، ويستعين بالأنساق الفلسفية النظرية ويعتمد على القاعدة النظرية التي تقدمها الفلسفة عمومًا، ليتناول مشكلات حيوية، وتعتبر مجال الأخلاق أزهى فروع الفلسفة التطبيقية وأكثرها شهرة، حتى لقد وصل الأمر إلى الاعتقاد بأنها مرادفة للفلسفة التطبيقية، أو أن الفلسفة التطبيقية تتمثل في الأخلاق التطبيقية فقط، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن هناك أنواعا أخرى من الفلسفة التطبيقية على نفس القدر من الأهمية، مثل المعرفة والميتافيزيقا، فيقول راسموسن: "إن الفلسفة التطبيقية لا تتمثل في الأخلاق التطبيقية فقط، وإنما هي فقط الأكثر شهرة والأكثر دقة ومنهجية من البناء الفلسفي، ولكن هناك أيضا الإبستمولوجيا التطبيقية والميتافيزيقا التطبيقية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر". ولكن يمكننا أيضا أن نبرهن على الأهمية الكبرى لمجال الأخلاق التطبيقية كونها تتعرض لمشكلات مقلقة للإنسان المعاصر، وهي في تطور مستمر يجعله يشعر بالقلق تجاه الكون الذي يحيا فيه، فمن لا يساوره قلق كون أنه ربما يتم صنع نسخه بديله عنه أو إجراء تعديل جيني لطفله والتحكم في مظهره أو بعض صفاته؟ ومن لا يساوره القلق أنه لربما تتدخل سياسات الدول في فرض أمور معينة أو التطلع لبعض الأمور الأخرى التي تتنافي مع صفات الإنسان الطبيعية لتحويله إلى آلة للعمل والإنتاج وغيره، والعديد من الموضوعات المثيرة الأخرى، مثل تأجير الأرحام وحفظ البويضات والحيوانات المنوية؟ فالثورة البيولوجية لم تضع حدودا لموضوعاتها ونتائجها وتطلعاتها.

وعليه، فالخلط بين مفهومي الفلسفة بشكل عام والفلسفة التطبيقية بشكل خاص من الأسباب التي أدت إلى إشكالية النظر والتطبيق غير موجودة أصلا، لأننا ببساطة ننظر إلى الفلسفة التطبيقية -التي هي مجرد فرع من الفلسفة- كونها الصورة المثلى للفلسفة التي نريد؛ أي إنها تطور للفلسفة يجعل من الفلسفة الخالصة مجرد صفحة تاريخية آن طيّها، تبقى النقطة الفاصلة أن الفلسفة عموما شيء والفلسفة التطبيقية شيء آخر... ناسين أن هذه الأخيرة هي فقط فرع فلسفي يتخذ من المنهجية الفلسفية طريقة لمعالجة بعض القضايا غير الفلسفية.

تكمن مهمة الفلسفة في الفهم والتنظير على المستوى الكوني الكلي، بيد أن التطبيق مهمة الساسة والحقوقيين ورجالات الدولة ومنظمات المجتمع المدني

وعلى الرغم من تصاعد القلق بشأن طغيان الفلسفة التطبيقية على الفلسفة عمومًا وطريقة تطورها المستمرة وفروعها التي لا تنتهي، وبالطبع الفوائد العملية التي تعود على الإنسان ويلمسها بيده، وبالتالي يتم توجيه الاهتمام إلى الفلسفة التطبيقية حتى تنزوي الفلسفة، ويتم اعتبار الفلسفة التطبيقية كمرحلة تطورية للفلسفة وليست مجرد فرع. نقول: على الرغم من ذلك، يؤكد لنا راسموسن بأن، "الفلسفة التطبيقية وفروعها العديدة مازالت لا شيء بجوار الفلسفة عمومًا، فلا داعي للقلق".

وبعد، يمكننا القول إن الفلسفة مهمتها الفهم والتنظير على المستوى الكوني الكلي، بيد أن التطبيق مهمة الساسة والحقوقيين ورجالات الدولة ومنظمات المجتمع المدني... إلخ. فليس بمستطاع العقل الإنساني أن يطبق من غير هدى ولا كتاب مبين، وهذا الهدى والكتاب المبين إنما يتمثلان في النظرية، تلك التي تمثل الفلسفة أبعد صورها حدودا. وحتى الفيلسوف، صاحب النسق الفكري، إذا ما اضطلع بنفسه في تطبيق ما انتهى إليه من تنظير، فهو إنما ينحو نحوا سياسيا تكنيكيا لا نحوا فلسفيا؛ ذلك أننا نرى نبرة استهجان للتنظير تتعالى يوما بعد يوم، مطالبة بهجران التنظير إلى التطبيق... وكأن على الإنسان أن يمضي مطبِّقا دون أن يعرف أي شيء ينبغي تطبيقه!

يوجد تخصص أكاديمي عالمي وهو "women in history" المرأة في التاريخ، يقوم بدراسة مثل هذه التساؤلات ويبحث فيها عبر التاريخ، والنتائج التي حصلوا عليها لا تنفي وجود النساء، بل على العكس تماما. ولكن الأمر وما فيه يتوقف على: من يكتب التاريخ وعمن ولمن؟

وهذه كانت هي المعضلة الكبرى، حيث إن العالم وقتها كان يرى أن الرجال الأبطال فقط هم من لهم الحق في أن يدخلوا التاريخ. أما النساء، فكانت بجوار الرجال، وإن تم ذكرهن يتم ذكرهن على استحياء ومن خلال الرجل أيضا... كونها تشكل جزءا من حياته، أي جانبا هامشيا. وعلى ذلك تقوم النسويات المتخصصات في مجال المرأة في التاريخ بإظهار هذا الجانب ونقله من الهامش الى المتن، كما يقمن بإعادة تحليله لفهم الوضع آنذاك، فالأمر إذن لا علاقة له بطبيعة المرأة وقدرتها على التفلسف من عدمه، وإنما في غيابها من التاريخ سواء كان هذا الغياب عن قصد أو عن غير قصد بفعل الثقافة.