يمثل هذا الرأي المذهب الإجتماعي من حيث لا ينظر أصحابه إلى الإنسان على أساس أنه كائن منزوع من الواقع فالنظر إليه على أنه كائن منخرط في جماعة تحيط به ظروف معينة يتأثر بها فالخير عندهم مجرد مصطلح تتعارف عليه الناس في زمان ومكان محددين فهو متغير تغير الظروف والأحوال الاجتماعية ولذلك رفعوا شعارهم قائلين تبدأ حياة الجماعة يتزعم هذا الرأي الفلاسفة الإجتماعيون أمثال الفرنسي إميل دوركايم الذي يرجع اصل القيمة الخلقية إلى المجتمع حيث قال:” إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فما وافق عليه المجتمع وأيده يعتبر خيرا وما خالفه ورفضه المجتمع يعتبر شرا وهو نفس ما ذهب إليه الفيلسوف جود قائلا:” إن حكم الشخص القيمي يكون له بواسطة مجتمعه وبيئته” وهو نفس ما أكده الفرنسي جون فياجيه حيث قال:” أن الطفل سيجد عاداته الأخلاقية من الخارج بواسطة مجتمعه والتربية والوالدين والحياة اليومية ومن الأدلة التي استعملها أنصار هذا الرأي أن الفرد عاجز وحده على بناء حياته فشواهد التاريخ والواقع تؤكد أن المجتمع هو الذي فعل ذلك ولهذا قال دور كايم:” لسنا سادة نفوسنا وإنما المجتمع هو الذي يفعل ذلك فالأخلاق خلقت من اجل المجتمع والذي يخلقها هو المجتمع” وقال أيضا: ” الأخلاق تنشأ بإجماع الناس ويوصى لها العقل فلا نستطيع تصور أخلاق دون مجتمع وفي نفس السياق أشار المفكر المصري زكريا إبراهيم التاريخ يشهد أن لكل مجتمع من الأخلاق ما يتلاءم مع طبيعة تكوينه الإجتماعي العام.
نقيض الاطروحة
من الذين دافعوا عن معيار ومقياس آخر للأخلاق غير المجتمع النظرية العقلية وأنصار المنفعة الواقعية أن الأساس العقلي يعود بجذوره إلى كل من سقراط وارسطو إذ رأى سقراط أن العلم فضيلة والجهل رذيلة، حيث نرجع هذه النظرية الأخلاق إلى حركة العقل بإعتباره حركة بديهية ثابتة موجودة بماهية لدى كل انسان وهذا هو الشرط الأول في امكان صدور الاحكام وتقييم الافعال إما بالخير أو بالشر ولذلك قال أفلاطون:” يكفي أن يحكم الانسان جيدا لكي يتصرف جيدا”
أما تلميذه أرسطو فتحدث في كتابه الأخلاق لينقوماطوس حيث راى ” الفضيلة وسط بين رذيلتين” وضرب الكثير من الامثلة لتوضيح فكرته منها: الشجاعة وسط بين التهور والجبن والتواضع وسط الإدعاء والحياء… كما رفضه كانط في العصر الحديث تأثر المجتمع والعاطفة على احكامنا فقال بتقسيم العقل للأفعال لأن العقل برأيه متعال عن الزمان والمكان واحكامه لا تتغير ومن هنا أسس اخلاق الواجب النابعة من سلطته العقل والإرادة الحرة حيث قال:” اعمل كما لو كنت تريد أن يكون عملك قانونا كليا عاما” وقال أيضا:” اعمل على اساس تعتبر فيه الناس غاية لا وسيلة” فالواجب عنده هو تطبيق الفعل احتراما للقانون والأخلاق من مطالب العقل لا مطالب البدن.