مجدداً تتجه المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى «إعلان الحرية والتغيير» إلى طريق مسدود، بعد مراوغة الأول في بنود الصيغة النهائية للإعلانين السياسي والدستوري، بعدما كشفت وثيقة مسرّبة عنهما بعض جوانب الخلافات، في ظل إعلان بعض مكوّنات التحالف المعارض رفض الاتفاق مع العسكر، والتزام أخرى الصمت
للمرة الخامسة على التوالي منذ الخميس الماضي، تأجّل اجتماع أعضاء المجلس العسكري وتحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، للتوقيع على اتفاق حول الإعلان الدستوري والميثاق السياسي للمرحلة الانتقالية، إلى يوم الثلاثاء المقبل، كما أكدت مصادر في حديث إلى «الأخبار». ويعود ذلك إلى خلافات حول نقاط «لم تنجح اللجان الفنية في التوافق على صيغة موحدة لها، فتقرر نقلها إلى وفدي التفاوض من أجل النقاش حولها وحسم النقاط العالقة»، كما أعلن التحالف المعارض في بيان أول من أمس.
هذا الخلاف، حول الشقين السياسي والدستوري، يهدد «اتفاق الخرطوم» الذي رأى «الحزب الشيوعي السوداني»، المنضوي في قوى «الحرية والتغيير»، أنه «يكرس الثورة المضادة»، في ظل عودة لغة التصعيد إلى الشارع، بعد مقتل مواطن وإصابة آخرين في مدينة السوكي بولاية النيل الأزرق أمس، خلال احتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، مع ذكرى مرور 40 يوماً على فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة وسط الخرطوم، لتجدد المطالبة بـ«العدالة أولاً»، والقصاص من مرتكبي مجزرة 3 حزيران/يونيو الماضي.
وبينما يقع نائب رئيس المجلس، قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي»، في دائرة الاتهام بالدرجة الأولى في هذه الجرائم، كونه كان مسؤولاً عن ملف الأمن في «العسكري» طوال تلك المدة ولا يزال، يبدو عزم «الحرية والتغيير» على محاسبته وملاحقة مرتكبي المجرزة في صلب الجدل الذي سببه تعارضٌ بين «الاتفاق السياسي» الذي ينص على «تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مجزرة القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو، وغيرها من الجرائم التي ارتكبت منذ 11 نيسان/أبريل»، يوم الانقلاب على الرئيس عمر البشير، وبين ما ورد في اختصاصات «المجلس السيادي» في وثيقة مسربة لتحالف «قوى الإجماع الوطني» المنضوي في «الحرية والتغيير» (يتكون من 17 حزباً معارضاً أبرزها «الحزب الشيوعي» و«حزب البعث العربي الاشتراكي»)، أثارت جدلاً في مواقع التواصل الاجتماعي بعد رفض «العسكري» المسودة الأولى للاعلان الدستوري.
أعطت مسوّدة الاتفاق حصانة لـ«السيادي» وأبقت على قرارات «العسكري»
وتنص الوثيقة الجديدة على أن أعضاء «السيادي» يتمتعون «بحصانة في مواجهة أي إجراءات جنائية، ولا يجوز اتهامهم أو مقاضاتهم أمام أي محكمة، ولا يجوز اتخاذ أي تدابير ضبط بحقهم أو بحق ممتلكاتهم أثناء ولايتهم»، ما يعني عدم إمكانية تقديم أعضاء المجلس، ولا سيما رئيسه عبد الفتاح البرهان ونائبه «حميدتي»، إلى العدالة. وقد بدا الأخير بالفعل متخوّفاً من الملاحقة، إذ جدد أمس «ديباجة» الطرف الثالث في عملية فضّ الاعتصام، وأن هناك «جهات ومندسين يريدون النيل من قوات الدعم السريع»، ثم استدرك بالقول إن «منسوبي قوات الدعم السريع ما (هم) صحابة ولا أنبياء، هم بشر»، كاشفاً عن تدوين 31 بلاغاً في مواجهة منتحلي شخصية أفراد في «الدعم السريع».
إضافة إلى حصانة أعضاء «السيادي»، هناك ست نقاط تحدثت عنها وسائل إعلام محلية هي محل خلاف بين الطرفين في الاتفاق: الأولى تتعلق بتبعية وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، والثانية بنسب توزيع أعضاء «المجلس التشريعي»، الذي ينص «الاتفاق السياسي» على تأجيل تشكيله «لفترة أقصاها ثلاثة أشهر»، وهنا تتمسك قوى «الحرية والتغيير» بالنسب المتوافق عليها سابقاً، فيما يطلب «العسكري» مراجعة هذه النسب. النقطة الثالثة تتعلق بمنح صلاحيات تعيين ولاة الولايات لـ«السيادي»، والرابعة بتقييد عضوية حاملي الجنسية المزدوجة في «السيادي» والحكومة، والخامسة بعدم إدراج قضايا السلام والنازحين، والسادسة بحق تعيين رئيس الحكومة، رغم أن الاتفاق ينص على «مجلس وزراء تختار رئيسه قوى إعلان الحرية والتغيير، ويقوم رئيس الوزراء باختيار وزراء لا يتجاوز عددهم العشرين بالتشاور مع قوى إعلان التغيير».
بالتوازي مع ذلك، حددت اللجنة المركزية في «الحزب الشيوعي» أسباب رفض الاتفاق، قائلة إنه أبقى «على كل المؤسسات القمعية»، مثل ميليشيات «الدعم السريع»، وجهاز الأمن بدلاً من إعادة هيكلته، و«كتائب الظل»، وميليشيات «الدفاع الشعبي»، والوحدات الجهادية التي لعبت دوراً كبيراً في فض الاعتصام، كما «أبقى على كل اتفاقات النظام السابق، الدولية والإقليمية، التي تمس السيادة الوطنية»، منها البقاء في التحالف العربي ضد اليمن، والاتفاقات العسكرية الأخرى، و«الأفرويكوم»... إلخ. وقالت أيضاً إن من شأنه «التراجع عما تم الاتفاق حوله في المجلس التشريعي ونسبة الـ67% لقوى الحرية والتغيير»، وكذلك السير في «اتجاه جمهورية رئاسية، عبر تدخل مجلس السيادة في تعيين رئيس القضاء والنائب العام والمراجع العام حتى قيام المجلس التشريعي»، فضلاً عن أن مسودة الاتفاق أعطت «السيادي» حصانة، و«أبقت على قرارات المجلس العسكري السابقة التي اتخذها منذ 11 نيسان/أبريل حتى تاريخ الاتفاق ضمن الفترة الانتقالية، وهذا مرفوض».
وذكرت اللجنة نفسها أن «الاتفاقية بشكلها الحالي لا تساعد في الحل الشامل والعادل لقضايا المناطق الثلاث، وربما تؤدي إلى تعميق الحرب وإثارة النزعات الانفصالية في ظل مواصلة هيمنة النظام البائد وجرائمه في تلك المناطق»، كما أن الاتفاقية «لم تضع عقد المؤتمر الدستوري في جدول أعمال الفترة الانتقالية»، ما قد يؤدي إلى فراغ دستوري عند نهاية المرحلة الانتقالية.