الحياة التي يحياها البشر تحتاج عدة متطلبات واحتياجات كي تيسير على النحو السليم الذي يجعلها حياة بشرية هانئة او على اقل تقدير مقبولة، ومن الضروريات التي لا يستغني عنها الانسان هو الامن النفسي الذي هو احد انواع الامن واهمها، فليس من الممكن ان تسير الحياة على استقامة حين ينتابها الشعور بالنقص في رحلة البحث عن السعادة والتي جزء من اسباب تحققها ان يكون الفرد هادئ النفس مرتاح الضمير آمن على نفسه لا يخشى ما يهدد امنه او ينتهك حرمته او ربما يسلب ارادته في طريقة تفكيره، أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه وثقافته وتوجهاته من أفكار واعتقادات وأيدولوجيات.
فالفرد الواعي الذي يسير على بصيرة من امره يلزم عليه الاتصاف بعدة سمات منها والتفكير بعقل ومنطقية لا بعاطفة متأججة قد تدفعه نحو المهاوي التي لا تحمد عقباها ولا تصحح نتائج السير بدربها المظلم، كما عليه ان يتصف ايضا بيقظة القلب والضمير والايمان بما يمتلكه من قدرات وطاقات منحها اياها الخالق اضافة الى الخبرات التي منحتها اياها الحياة والتي تساعده في تحقيق اسمى الاهداف واعلاها شأناً واعظمها أثر والتي ستقلي بضلال نتائجها الخيرة عليه وعلى مجتمعه الذي يمارس دوره فيه كالمجتمع الوظيفي او العائلي او غيره المجالات التي ينشط فيهات معززا بذلك كيانه ومحافظا على امنه ضد تدخلات المحيطين، و الامن النفسي من القضايا التي عنيت بها العقول وصرفت في سبيلها الجهود واشتغل بها اولو القلم والعلم نظراً لعظم أهميته وحسن عاقبته عند توفره وشدة خطر فقدانه أو الإخلال به.
وهنا اود لفت الانتباه الى ان الحاجات الفسيولوجية لم تعد تتصدر قاعدة هرم (ماسلو) للحاجات فالحاجة الى الامن النفسي هي بنفس مستوى الحاجات الفسيولوجية التي هي من الحاجات الأساسية، فالأمن الفكري يشغل الان دائرة الاهتمام العالمي لضرورة الاطمئنان على حرية الفكر والعقيدة والتوجه وضمان كونه ليس موضع تهديد.
فالعلاقة بين السلوك الجمعي والامن الفكري علاقة وطيدة فكلما كان العقل الجمعي يحمل أفكاراً سلبية ومشوشة تحمل في طياتها معايير وقيم متطرفة فالأمن الفكري في خطر.
وقوة الامن الفكري تستمد من ايمان الشخص بسلامة ما يفكر وما يعتقد فكل ما كانت عقيدتك سليمة كلما كانت دفاعاتك عن افكارك قوية ولديك حجج اثبات رصينة, و ترجع أهمية الأمن الفكري إلى ارتباطه بأنواع الأمن الأخرى، وأنه الأساس لها، والركن الأهم في نظم بنائه.
فليس منطقيا ان نسلم الى معتقدات سائدة اتبعها الخلف عن السلف دون ان نتجرأ على مناقشتها على اقل تقدير بداعي الخروج على القيم والاخلاق والاعراف السائدة، فليس كل ما كان عليه الاجداد والاباء هو صواب مطلق والله حين منحك عقل سليم سيحاسبك على الاتباع والتسليم المطلق دون رفض بعض السلوكيات التي تعقد انها سفاهة وخرافة لا اساس لها، فحين يكبر في الانسان الوعي تختلف طريقة تفكيره وينظر الى بعض الثوابت في زمن سابق على انها مغالطات.
فالمختصون يرون ان الافراد اللذين يتقبلون الافكار الجمعية دون مناقشتها في عقولهم لأثبات صحتها من عدمها هم الافراد الاقل وعيا والاكثر تشبها بالقطيع الذي يسر خلف الراعي دون معرفة المقصد، فالانقياد الى السلوك الجمعي المفروض من الواقع والعجز عن تحديد سلوك ينسجم مع المنطلقات الفكرية الخاصة بالفرد يهدد الفكر الانساني بالقتل، ونتاج ذلك التهديد هو المشكلات الفكرية التي تدفع المجتمعات ثمنها باهضاً.
وتحدث انقسامات وصراعات في ظل غياب التفكير الناقد الذي يمحص السلوك الجمعي الذي يرى اصحاب الطرف الاخر من المعادلة ( الجماعات او الاغلبية) ان تفكيرك وتبينك لأفكار غير تلك التي يتبونها بانه اختراق ووقاحة وغيرها التهم المعدة سلفا في ادمغتهم ومهيئة لأسقاطك فكريا وربما مجتمعيا، فالبعض يسمح لنفسه التدخل ومنع ممارسة الحق المشروع للإنسان في التعبير عما يعتقد عبر منصات عديدة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، فقد وصل الحال الى التشهير ببعض المفكرين او تكفيرهم او التصفية الجسدية لهم لتبينهم افكار يعتقدون بصحتها فكم من مفكر ناشط اسقطته افكاره السليمة ان لم تكن قتله ؟
ختاما ايها القارئ الكريم ان الفكرة من هذا المقال هي ليس المراد منها القدح بطرق تفكير الجماعات او نقد تصرفاتهم بقدر ما هو الرغبة في ضرورة ان يفكر كل انسان على وجه المعمورة بالطريقة التي يراها صحيحة وليس لاحد ان يمنعه او يقمع أفكاره مادامت لا تتعدى على حرية او مقدسات او معتقدات الآخرين وبذلك نضمن تفكير منطقي سليم قائم على احترام التفكير المقابل المختلف وتقبله وعدم التحسس منه او الاساءة اليه.