تٌعرف الأقلية أنها (مجموعة من السكان أقل عددا من باقي سكان الدولة، يتمتع أعضاؤها الذين يكونون مواطنين في الدولة بصفات دينية ولغوية معينة، تختلف عن تلك التي يتمتع بها سائر السكان)، وقد تُعرف الأقلية أنها (أي مجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من التغييرات الآتية: الدين؛ أو اللغة؛ أو الثقافة؛ أو السلالة).
بينما عرف إعلان فينا الأقلية بأنها (هي مجموعة صارت أقليات داخل حدود الدولة؛ نتيجة الأحداث التاريخية وقعت ضد إدارتها، وأن العلاقة بين مثل هذه الأقلية والدولة علاقة مستديمة، وأفرادها مواطنون في هذه الدولة).
وفي الغالب، تسمّى مجموعة بشرية أقلية؛ إذا كان عدد أفرادها يقل عن (50%) من مجموع السكان الإجمالي لبلد ما. وقد تقل هذه النسبة عن (1%) بل و(0.1%) بصرف النظر عن الموقف الرسمي منها. وترى اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة حقوق أن العنصر العددي يأتي في المرتبة الأولى من أجل تحديد مفهوم الأقلية. فلعدّ جماعة ما أقلية يجب أن تتكون من عدد من الأشخاص يكفي بذاته لكي يوصف بهذا الوصف، فلا يكون العدد ضئيلاً مما يفقد الجماعة المعنى القانوني الذي يرتب لها حقوقاً وضمانات على وفق ما يقرره القانون الدولي.
والأقليات قد تكون أقليات دينية أو مذهبية، وهي التي تكون الاختلاف بينها وبين الأكثرية في عنصر الدين أو المعتقد، كالأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية وغير الإسلامية عموما والتي تتبنى المعتقد المسيحي كما هو الحال في أوروبا وأمريكا وبعض دول أسيا وبعض دول إفريقيا، وكالأقلية الهندوسية في الهند، أو كالأقلية البوذية في الصين، ومثالها أيضا الأقلية المسيحية في لبنان؛ والعراق؛ وسوريا.
وقد تكون الأقليات عرقية أو أثنية، وهي مجموعة من مواطنين الدولة تتمايز عن باقي المواطنين بصفات بيولوجية مشتركة، تحددها عوامل وراثية، مثل الأقلية الأمازغية في المغرب العربي وشمال إفريقيا، والأقلية الكردية في العراق؛ وإيران؛ وسوريا؛ وتركيا.
وقد تكون الأقليات لغوية، والمقصود بالأقليات اللغوية هي تلك الجماعات الفرعية من سكان دولة معينة التي تتكلم لغة، غالبا ما تختلف عن اللغة السائدة أو لغة الأغلبية والمسماة الام، والتي يتحدث بها الإنسان منذ صغره. لذا فان البعض يسميها باللغة الأصلية للفرد، ولكن لا يمكن الاعتماد على اللهجات المحلية للقول بوجود أقليات لغوية، وإلا لما وجد اتحاد لغوي في الدولة الواحدة على الإطلاق. وتتبع أهمية اللغة لأية جماعة من أنها تعد مقوما رئيسا من مقومات هويتها، ووسيلة للتخاطب والتفاهم.
وقد تكون الأقليات قومية، ومصطلح القومية له معان واسعة من حيث المفهوم، منها إن القومية تعني الجماعة من الناس المنظمين تحت مفاهيم مشتركة مثل: اللغة أو الأصل، ومنها جماعة من الناس تؤلف بينهم وحدة اللغة والتقاليد الاجتماعية وأصول الثقافة، فضلا عن مصالح مشترك.
وفي الغالب أن هذا النوع من الأقليات لا يمكن ذوبانه في المجتمعات التي يتواجدون فيها؛ لأن بعضها يعتبر معطياته تؤهله لأن يكون أمة قائمة بذاتها، وانطلاقا من هذا التصور فان هذا النوع مــــن الأقليات وبسبب مـؤهلاته غالبا ما يطالب بحق تقرير المصير استنادا لميثاق الأمم المتحدة، والذي يعطي الحق لجميع الأقليات لتقرير مصيرها وفقا للضوابط والشروط الخاصة.
وفي كل الأحوال، تشير الوقائع التاريخية إلى أن الأقليات، دينية أو لغوية أو قومية أو عرقية لم تحظ بحياة مستقرة نسبيا مثل بقية المجتمعات البشرية التي تمثل الأكثرية، بل تعرضت بسبب كونها أقلية سكانية إلى الاضطهاد والظلم والتعسف والإبادة الجماعية، بشكل كلي أو جزئي، سواء من طرف المجتمعات التي تمثل الأكثرية أو من طرف الحكومات التي تمثل تلك المجتمعات، ولم تحصل على حقوقها وحرياتها؛ لا من حيث كون أبناءها جزء من مواطنين الدولة، ولا من حيث كون أبناءها يمتازون عن غيرهم بميزات خاصة ليست موجود عند أكثرية مواطنين الدولة.
ونظرا لجرائم الإبادة الجماعية الكلية أو الجزئية التي ارتكبتها الجماعات المسيحية في أوربا بحق الأقليات هناك، وسلب حقها في الحياة، توصل المجتمع الدولي إلى إقرار عدد من الاتفاقيات لحماية الأقليات، وقد توجهت تلك الجهود بالإعلان الخاص بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية وعرقية ودينية ولغوية عام 1992، الذي أكد على حق الأقليات في التمتع بثقافتهم والتعبير عن ديانتهم، واستخدام لغتهم بحرية ودون تمييز، والمشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية العامة، والمشاركة في تشكيل القرارات التي تتعلق بهم، وإنشاء وإدارة جمعياتهم والحفاظ عليها، وتأسيس علاقات حرة وسليمة مع الافراد والجماعات الأخرى دون تمييز، ومع مواطنين من دول أخرى يرتبطون بهم بأصول عرقية او قومية أو انتماء ديني أو لغوي مشترك.
فقد جاء في المادة الأولى من الإعلان المذكور: أ. على الدول أن تقوم بحماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الأثنية وهويتها الثقافية والدينية واللغوية. ب. تعتمد الدول التدابير التشريعية والتدابير الأخرى الملائمة لتحقيق تلك الغايات.
وجاء في المادة الثانية: أ. يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية أو لغوية الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة، وإعلان وممارسة دينهم الخاص، واستخدام لغتهم الخاصة سراً وعلانيةً بحرية تامة. ب. للأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والحياة العامة مشاركة فعلية. جـ. يكون الأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في المشاركة الفعالة على الصعيد الوطني وكذلك على الصعيد الإقليمي حيثما كان ذلك ملائماً، في القرارات الخاصة بالأقلية التي ينتمون اليها أو في المناطق التي يعيشون فيها، على أن تكون هذه المشاركة بصورة لا تتعارض مع التشريع الوطني. د. يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في إنشاء الرابطات الخاصة بهم والحفاظ على استمرارها. ه. يجب على الدول أن تتخذ التدابير اللازمة التي تكفل للأشخاص المنتمين إلى أقليات أن يشاركوا مشاركة كاملة في التقدم الاقتصادي والتنمية في بلدهم.
على أثر ذلك، أضحت المسائل المتصلة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات ترد-تقريبا-في كل صك من صكوك حقوق الإنسان، وتسلم الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية أن حقوق الأقليات لا غنى عنها لحماية من يرغبون في صون وتطوير القيم والممارسات التي يتقاسمونها مع غيرهم من أفراد جماعتهم، وهي تسلم كذلك أن أفراد الأقليات يسهمون مساهمة كبيرة في إثراء المجتمع وتنوعه، وأن الدول التي تتخذ تدابير ملائمة للاعتراف بحقوق الأقليات وتعزيزها يرجح أن تظل دولا يسودها التسامح والاستقرار.
ووفقا لخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بقضايا الأقليات، هناك أربعة التزامات عامة يجب أن تأخذها الدولة على عاتقها من أجل احترام حقوق الأقليات وضمانها:
1. حماية وجود الأقليات، بما في ذلك من خلال حماية سلامتهم البدنية ومنع الإبادة الجماعية.
2. حماية وتعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية، بما في ذلك حق الأفراد في اختيار أي من الجماعات العرقية أو اللغوية أو الدينية يرغبون أن يعرّفون بها، وحق هذه الجماعات في تأكيد هويتهم الجماعية وحمايتها ورفض الاستيعاب القسري؛
3. ضمان فعالية عدم التمييز والمساواة، بما في ذلك وضع حدٍ للتمييز المنهجي أو الهيكلي؛
4. ضمان مشاركة أفراد الأقليات الفعّالة في الحياة العامة، ولا سيما فيما يخص القرارات التي تؤثر عليهم.
ومع الجهود الدولية والإقليمية والوطنية التي بذلت لإقرار حقوق الأقليات وحمايتها إلا أن الأقليات لازالت تعاني من تمييز بحق أبناءها، اذ تؤكد التقارير السنوية والدراسات الصادرة من هذه المنظمات أن حقوق الأقليات لازالت تهدر بقوة بالغة في عدة بقاع من العالم، سواء بموافقة الحكومات الوطنية او بواسطة الجماعات الأخرى المشكلة للأكثرية والتي تحاول بشتى السبل القضاء على الأقليات وطمس هويتها الخاصة وانتهاك حقوقها الإنسانية.
إن الأقليات في عموم المنطقة، سواء في الشرق الأوسط أو المغرب العربي، تلاقي اليوم اضطهادا غاية في البشاعة بأساليب دينية أو طائفية. فلقد باتت السلطات تساهم بالقمع والإبادة والتهميش والإقصاء وحتى الاستئصال والقتل. إن ما نشهده في العراق ولبنان ومصر وليبيا والجزائر والسودان والسعودية وإيران يعطينا مثلا ساطعا على مدى التعاسة التي تعاني منها المجتمعات بشكل خطير، والمشكلة الأخطر أن اضطهاد الأقليات في بلادنا قد تحّول اليوم إلى نسيج المجتمع، أي إلى صراعات اجتماعية داخلية. ولقد أثرت النزاعات التي نشبت مؤخراً أو التي ما زالت مستمرة تأثيراً مدمراً على الأقليات في العديد من البلدان، فالأقليات الدينية معرضة للتهديد في البلدان التي نشبت فيها النزاعات أو الاضطرابات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك دول "الربيع العربي" مما يؤدي إلى هروب الكثيرين من ديارهم واللجوء إلى دول مجاورة.
ولا يقتصر هذا التمييز على الدول النامية، بل شمل أيضا الدول المتطورة، فقد كشف تقرير صادر عن وكالة الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي بأن الأقليات في دول الاتحاد الأوروبي تعاني من تمييز اجتماعي حاد، وأن غالبية ضحايا هذا التمييز لا يفلحون في إيصال صوتهم وفضح الممارسات التي يتعرضون إليه. وشمل الاستطلاع الذي أجرته الوكالة 23 ألف شخص يقيمون في بلدان الاتحاد، وجميعهم من أقليات اثنية، يقولون إنهم يتعرضون باستمرار إلى التمييز في عدة جوانب من حياتهم اليومية في أماكن عملهم، وعلى مقاعد الدراسة، والمستشفيات وقاعات الانتظار.
نخلص ما تقدم إلى ما يأتي:
1. إن الأقلية هي الجماعة الأقل عددا مع بقية مواطني الدولة، والتي تتميز عن أولئك المواطنين بخصائص أثنية او دينية أو لغوية، والتي ترتكز على الشعور بالوحدة والانتماء أو التضامن القائم بين أفرادها من أجل المحافظة على هذه الجماعة واستمرار خصوصيتها.
2. ينبغي الإقرار للأقليات بحقوقها الأساسية ومنحها حرية ممارستها على أساس المساواة وتحريم التفرقة العنصرية ضد الأقلية والقبول بالرأي والرأي الآخر.
3. ينبغي للدولة عدم الاكتفاء بالاعتراف للأقليات بالحقوق والحريات الأساسية، بل لابد لها من أن توفر الضمانات اللازمة لتمتع أفراد الأقلية بهذه الحقوق والحريات تمتعا فعليا لا شكليا.
4. ينبغي أن تحرص الدول التي توجد فيها أقليات على تضمين دستورها مواد قانونية تضمن الحقوق والحريات، ولو بالحد الأدنى لجميع أبناءها وعلى قدم المساواة بين الأغلبية والأقلية، والتأكد على مراعاة جميع المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لأبناء الأقليات من خلال إتاحة فرص النشر وحرية الصحافة والإعلام.
5. ويتطلب الأمر وضع سياسات محددة الأهداف في مجال العمل الإيجابي من أجل التصدي للإقصاء الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه الأقليات، ويشمل ذلك وضع خطط محددة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لصالح الفئات المهمشة والمناطق التي تعيش فيها. وينبغي، عند الاقتضاء، تخصيص اهتمام مؤسسي للأقليات في الدول التي تعيش فيها، بما في ذلك توجيه الاهتمام من خلال وزارات أو إدارات أو وحدات مكلفة، وعبر المنسقين، وأمناء المظالم واللجان وغيرهم، بهدف تنفيذ خطط العمل الوطنية مع إيلاء الاهتمام اللازم للأقليات.