دوت مكبرات الصوت بالأغاني الوطنية العربية عبر التلال في شمال إسرائيل يوم الخميس بينما ركض الأطفال في حقل وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية، جاء ذلك خلال تجمع لأفراد من الأقلية العربية في إسرائيل والتي تمثل نحو 21 بالمئة من سكانها. وتطلق عليهم إسرائيل ”عرب إسرائيل“ لكن كثيرين الآن يرفضون هذه التسمية ويصفون أنفسهم بأنهم ”فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية“ أو ”فلسطينيون“ فحسب.
ويقيم أعضاء من الأقلية العربية تجمعا كل عام إحياء لذكرى ”النكبة“ التي فقدوا فيها أرضهم في حرب عام 1948 إبان قيام إسرائيل، والتجمع مناسبة للاحتفاء بالهوية الفلسطينية يرى ساسة وأكاديميون عرب أنه يعبر عن تغير التفكير على مدار عقود.
ووصلت حافلات يوم الخميس إلى حقل قرب خبيزة وهي قرية فلسطينية تحولت إلى أطلال بعد أن دمرتها الحرب بين العرب والقوات اليهودية عام 1948 وتقع على بعد نحو 30 كيلومترا إلى الجنوب من حيفا، وتضع جماعات مثل ”فلسطين في الذاكرة“ تلك القرية ومئات القرى الأخرى على الخرائط الورقية والإلكترونية من أجل التعريف بها وبهويتها العربية، ويتزامن تجمع إحياء عرب إسرائيل لذكرى النكبة كل عام مع اليوم الذي يحتفل فيه الإسرائيليون في بقية أنحاء البلاد بيوم الاستقلال، ورفرفت الأعلام الفلسطينية في الحقل المسيج يوم الخميس وهو الموقع الذي سمحت السلطات الإسرائيلية بإقامة التجمع فيه. وفي الناحية الأخرى من طريق ضيق علقت لافتات إسرائيلية ووقف أفراد الشرطة يراقبون فيما حلقت طائرة مسيرة على ارتفاع منخفض، وتقول رولا نصر مزاوي (42 عاما) وهي أخصائية نفسية إن كثيرين في الجيلين اللذين أعقبا قيام إسرائيل كانوا يخشون التطرق لمسألة الهوية علنا.
وأضافت ”اللي عم بنشوفه هسه أن الجيل الثالث عم بيتحرر من هذا الشيء، عم بيكون أقل خائف، فعم نشوف من جيل الشباب والصبايا، كثار (كثير) من الشباب والصبايا بيعرفوا حالهم كفلسطينيين، ومش بس هيك، بيتضايقوا إذا حد بيقول لهم عرب إسرائيل، إحنا مش عرب إسرائيل، إحنا فلسطينيين إحنا جزء من الشعب الفلسطيني“.
وقال أحمد الطيبي النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي في مقابلة هذا العام ”مسمى عرب إسرائيل خاطئ وغير دقيق. نحن فلسطينيون بالجنسية ومواطنون إسرائيليون“، وأضاف ”يقولون عرب إسرائيل أو إسرائيلي عربي ليوصلوا رسالة مفادها أننا لسنا فلسطينيين. لقد تخطينا ذلك. نحن جزء من الشعب الفلسطيني ونكافح كي نكون مواطنين على قدم المساواة“ في إسرائيل.
الهوية والجنسية
في الآونة الأخيرة تجاوز عدد سكان إسرائيل تسعة ملايين نسمة وفقا لما ذكره المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي. ويشمل هذا الرقم 1.89 مليون مواطن عربي من المسلمين والدروز والمسيحيين يعيشون جنبا إلى جنب مع 6.68 مليون يهودي يمثلون 74.2 في المئة من السكان، ويميز أسعد غانم (53 عاما) وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا والمشارك في تأليف كتاب ”الفلسطينيون في إسرائيل“ بين الدروز والبدو، الذين يخدم الكثير منهم بالجيش الإسرائيلي في علامة على الاندماج، وبين أغلب المسلمين والمسيحيين الذين لا يلتحقون بالخدمة العسكرية، ويقول إن وضع عرب إسرائيل شهد تحولا بطيئا عما كان عليه في بادئ الأمر من حيث التهميش في إسرائيل والعالم العربي على حد سواء، وأضاف أن جيلا جديدا من المفكرين والساسة ”أقوى بكثير ممن كانوا على الساحة في الخمسينيات والستينيات“ ويعبرون علنا عن تظلم أفراد مجتمعهم من التفرقة في سوق العمل ومن نقص الخدمات، وقال ”الأغلبية يريدون تعريفهم بأنهم فلسطينيون“.
لكنه أشار أيضا إلى أن أغلب عرب إسرائيل يقدرون جنسيتهم الإسرائيلية وسيعارضون محاولات نقلهم إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة حيث تمارس السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا ولأنهم ”يرون كل المشكلات التي يعاني منها الجانب الآخر“، فلسطينيون يلوحون بالأعلام الفلسطينية في تجمع للأقلية العربية في إسرائيل إحياء لذكرى النكبة في قرية خبيزة في شمال إسرائيل.
أفضل حالا
أثار إقرار الكنسيت الإسرائيلي العام الماضي قانون الدولة القومية، الذي يعطي الحق في تقرير المصير لليهود فقط، غضب العرب في إسرائيل، وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذا المبدأ قبل فترة وجيزة من فوزه بالانتخابات التي جرت قبل شهر وكتب على إنستجرام ”إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها. بموجب قانون الجنسية الأساسي الذي أقررناه.. إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي.. له فحسب“.
وسعى في ذات الوقت إلى تهدئة المواطنين من غير اليهود ومنتقديه في الداخل والخارج فأضاف ”ليست هناك مشكلة مع المواطنين العرب في إسرائيل. لديهم حقوق متساوية مثلنا جميعا وحكومة الليكود استثمرت في المناطق العربية أكثر من أي حكومة أخرى“.
لكن بعض المنتمين للأقلية العربية يختلفون مع المشاعر التي تم التعبير عنها خلال تجمع يوم الخميس ويقولون إن إسرائيل تحميهم من التهديدات في الشرق الأوسط، وقال يوسف حداد (33 عاما) وهو كاثوليكي من حيفا ”أشعر بالفخر الشديد لأنني من عرب إسرائيل... الحقيقة هي أنك لو نظرت إلى كل أو أغلب الدول العربية ستجد أن عرب إسرائيل أفضل حالا“.
لكن إياد برغوثي (39 عاما) وهو كاتب وروائي رأس من قبل جمعية الثقافة العربية في حيفا يرى أن الهوية شهدت تطورا واضحا، ويقول إن جيله واجه الكثير من الصعوبات في البحث عن جذوره في دولة تؤكد على فرض نهج الأغلبية فيما اعتبر الجيل الأصغر أن ”فلسطينيته“ أمر مسلم به، وأضاف ”شاهدت أطلال القرى الفلسطينية في أنحاء الجليل عندما كنت شابا أعمل في مواقع البناء وكنت اضطر للبحث في الموسوعات للتعرف على أصل تلك الأماكن... الآن هناك تطبيق إلكتروني“.