إن أعتد مهمة يمكن أن يقوم بها الفيلسوف لتهديم المعتقدات والأفكار التي تؤسس للعنف والأزمات، تكمن في قيامه بإعادة تسويغ المفاهيم التي تبنى عليها تلك المعتقدات والأفكار؛ فالحرب في الأصل هي حرب مفاهيم.
إذا كان هذا المقال في الأصل هو قراءة نقدية تحليلية لتصور جون لوك حول التسامح، فهو كذلك من حيث الغاية، يهدف إلى تبيان كيف استطاع أن يجيب جون لوك عن أهم سؤال في الفلسفة السياسية الحديثة؛ والذي يمكن صياغته كالآتي؛ ما السبيل إلى إفراغ الديني من رغبته الجامحة في استعمار السياسي؟ من خلال إعادة تسويغه لأهم المفاهيم الأخلاقية السياسية التي بنيت عليها الأزمة في عصره والمتمثلة في مفاهيم مثل؛ الخلاص، الكنيسة، الحاكم المدني.
لقد بنى جون لوك إعادة تسويغه لهذه المفاهيم، على أسين اثنين مهمين؛ الأول سياسي يتحدد من خلال عمله على إفراغ الدين من كل ما يتيح لرجالاته استعماله للتسلط على الجمهور، والثاني فلسفي يظهر من خلال اشتغاله على تحديد طبيعة عمل كل من الديني والسياسي.
نتيجة لهذه العملية التسويغية، وجد جون لوك نفسه يؤسس لثلاث مقدمات تعتبر بمثابة حجر الزاوية في الفكر السياسي الحديث عامة، وهي:
أ- الانتقال من ثقافة العقيدة إلى ثقافة الحرية، لن يصبح واقعا، إلا إذا آمنا أن الخلاص أمر متعلق بالفرد لا بالجماعة الدينية.
ب- دنيوة السلوكيات والأفعال البشرية، لن يتم إلا إذا تم إفراغ المعاملات من محتوياتها الدينية وتسديدها بما هو مدني.
ج- قيام التسامح يعني بالضرورة رفض النظم السياسية القائمة على التفويض الكنسي، واستبدالها بالدولة المدنية المبنية على سيادة القانون والمواطنة الحرة.
وعلى الرغم من أنه يبدو جليا من خلال كل ما جاء به جون لوك في رسالته الشهيرة حول التسامح، أن همه كان بالأساس انتقاد ممارسات الكنيسة والتعبير عن عدم رضاه على ما يسمى النظام الأبوي، إلا أنه يبدو جليا أن الرجل وضع تصوره للسياسيات عامة ضمن هذه الرسالة.
عن مؤمنون بلا حدود.
للاطلاع على البحث كاملا اضغط هنا