حركة خارج السرب | التمييز العنصري وفكرة القوة والتفوق
التمييز العنصري وفكرة القوة والتفوق
2019-05-06 | 1762 مشاهدة
مقالات

(العنصر) في اللغة يعني الجنس، يقال فلان من العنصر الآري السامي، أي من الجنس الآري، أو من أصل آري أو من حسب (نسب) آري. ويقال فلان من العنصر العربي، أي من الجنس العربي. وبهذا فإن اصطلاح التمييز العنصري من الناحية اللغوية يعني التفرقة وفرز الناس والأشياء على أساس أصل الحسب أو الجنس.

وقد عرفت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في المادة الأولى منها (التمييز العنصري) بأنه (أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة).

يعد التمييز العنصري أو التمييز العرقي أو التمييز الاثني أحد أهم أنواع التمييز بين البشر، وهو التمييز المبني على الاعتقاد بوجود جماعة من الناس تنتمي وتنتسب إلى أصل واحد أو عرق واحد، وهذا الأصل أو العرق له مميزات وصفات لا تتميز ولا تتصف بها الجماعات الإنسانية الأخرى، وهذه الصفات العرقية التكوينية تعطي أفضلية اجتماعية أو قانونية لمنتسبي هذه الجماعة على حساب منتسبي الجماعات الأخرى.

في الواقع أن التمييز العنصري يوجد في كل مرة تتشبع فئة من الناس بفكرة تفوقهم على غيرهم من الأجناس، سببه التفاوت في سلالتهم وعدم اختلاطهم بأجناس أو سلالات أخرى، بل أن بعض الشعوب تنسب لنفسها نتيجة للنظرية العنصرية حق فرض آرائها وتصوراتها العنصرية على الآخرين.

مثال ذلك، هناك من يقسم الإنسانية إلى جنس قوي احتفظ بنقاوته العرقية، وجنس ضعيف اختلط مع الأجناس الأخرى، وذهب إلى وسم الجنس الآري وبالأخص الشعوب الجرمانية بالقوة والسمو وعدم مساواتها مع غيرها. وقد كانت النازية أول من قام بتقنين هذه النظرية العنصرية، كونها أكثر تعصبا، حيث يعتقد النازيون أنهم يمثلون أسمى الأعراق، فالتمييز العنصري بالنظر إلى هذه النظرية أساسه العرق.

ومما يترتب على هذا الاعتقاد أن الأفراد المنتمين إلى الأصل العريق يشعرون فيما بينهم بالفخر والعلو والتفوق، بينما يشعرون إزاء الأفراد المنتمين إلى أصل أخر أنهم أدنى منزلة وأقل شأنا. ما ينتج عنه تفريط في تحقيق العدالة الاجتماعية، وهدم المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وهذا يؤثر سلبًا على المجتمعات المحلية ويثير النزاع الاجتماعي بين الأفراد. فعلى سبيل المثال فقد أدى التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يمارسه البيض ضد السود إلى فصل السود والبيض في الحافلات حتى منتصف الستينات من القرن الماضي، وفي حال انتهاكهم لذلك يتعرضوا للعقوبة القانونية.

يمكن القول إن التمييز العنصري له مجموعة من الصور وهي:

الحالة الأولى: التمييز على أساس العرق أو الأصل: والعرق يعني تصنيف مجموعة بشرية بأنها مختلفة عن مجموعة بشرية أخرى على أساس الفروق في الذكاء أو القدرات الفطرية الثابتة الدائمة، أي أن أصل هؤلاء مختلف عن أصل الآخرين، حيث يتفاخر بعض الأقوام أنهم من سلالة عرق ما، يعتقدون أنه أفضل من الأصول الأخرى، ويمارسون على أساس هذا الاعتقاد تمييزا عنصريا ضد الآخرين، مثل أن يتفاخر الجنس الآري على الأجناس الأخرى أو يتفاخر الجنس العربي على الجنس الأعجمي. ويدخل في هذه الصورة التفاخر على أساس الانتساب إلى عشيرة ما والتقليل من شأن عشائر أخرى، أو الولادة من أسرة ما والتقليل من الأسر الأخرى.

الحالة الثانية: التمييز على أساس القوم: وهو أن يتفاخر مجموعة من الناس بانتسابهم إلى قوم ما، ويقللون من مكانة الآخرين؛ لأنهم ينتسبون إلى قوم من غير قومتيهم، مثل أن يتفاخر العرب على الأكراد ويقللون من شأن الأكراد، أو يتفاخر الأتراك على العرب، ويقللون من شأن العرب. ويدخل في هذه صورة تفاخر المواطنين من دولة ما على المواطنين من دولة أخرى، ويطلق على هذا تسمية (الأصل الوطنية).

الحالة الثالثة: التمييز على أساس اللون: أي لون الجسم أو لون البشرة، وفي الغالب تسمى (العنصرية ضد السود) حيث يتفاخر بعض الأقوام أن بشرتهم هي أفضل من بشرة الأقوام الآخرين، وأن الله عزل وجل فضلهم على سواهم، مثل أن يتفاخر أصحاب البشرة البيضاء على أصحاب البشرة السواء، أو أصحاب البشرة الحمراء على أصحاب البشرة الصفراء، وعلى هذا الأساس يمارسون تمييزا عنصريا بحق الذين لا يتشاركون معهم في لون الجسم أو لون البشرة. مثل التمييز العنصري الذي يمارسه البيض ضد السود في جنوب أفريقيا، والتمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة الأميركية.

الحالة الرابعة: التمييز على الأساس الاثني: والأثنية هي الهوية الثقافية والمظاهر والممارسات الثقافية لمجتمع معين التي نشأت تاريخياً والتي تنزع نحو فصل الناس عن بعضهم البعض. ويقصد به -في العادة -الأصل الثقافي لقوم ما الذي يمتازون به عن الأقوام الأخرى، مثل أن يكون لهؤلاء القوم حضارة مميزة أو تاريخا عريقا، بينما لا تحظى أقوام أخرى بمثل هذه الحضارة فيتفاخرون عليهم ويميزون بين الناس على هذا الأساس.

في الواقع، لا يقتصر التمييز العنصري على ممارسة بعض الأفراد والجماعات التي تتفاخر بأصلها أو قوميتها أو لونها أو ثقافتها وعاداتها، بل يمكن أن يحدث التمييز العنصري على مستوى المؤسسات الحكومية والمجتمعية، بشكل مقصود أو غير مقصود، فأنماط السلوك والسياسات والممارسات التي تصدر عن تلك المؤسسات يمكن أن تسيء إلى مجموعة من الناس ينتمون إلى أصل أو قوم أو لون معين. مما يترك انطباعا سيئا على الأشخاص الذين يعانون من التمييز العنصري.

إلا أن من المهم الإشارة أن تفاخر بعض الناس بحسبهم ونسبهم ولونهم ولغتهم لا يعني إطلاقا أنهم يمارسون تمييزا عنصريا بحق الذين لا يتشاركون معهم النسب والحسب واللون أو اللغة، بل لابد أن يكون هذا التفاخر والتباهي مصحوبا بالإساءة اللفظية والعملية للآخرين، مثل أن يتفاخر العربي بانتمائه للعروبة وينتقص من الآخرين غير العرب. ويمكن التعبير عن التمييز العنصري بشكل علني على شكل نكات عنصرية، وافتراء أو جرائم كراهية، أو على شكل مضايقات مثل المناداة بأسماء غير محبذة، وعرض الصور أو السلوك يهين أو يسيء إلى الغير ويزعجه بسبب عرقه أو أسباب أخرى ذات صلة.

ومن المهم الإشارة أيضا، أنه لا تعتبر من قبيل التمييز العنصري أية تدابير خاصة يكون الغرض الوحيد من اتخاذها تأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو الاثنية المحتاجة أو لبعض الأفراد المحتاجين إلى الحماية التي قد تكون لازمة لتلك الجماعات وهؤلاء الأفراد لتضمن لها ولهم المساواة في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو ممارساتها، شرط عدم تأدية تلك التدابير إلى إدامة قيام حقوق منفصلة تختلف باختلاف الجماعات العرقية، وشرط عدم استمرارها بعد بلوغ الأهداف التي اتخذت من أجلها.

ونظرا لاستفحال ظاهرة العنصرية والتمييز العنصري، فقد سعى المجتمع الدولي وعبر جهود مضنية لإصدار إعلان ضد العنصرية في العام 1963، تضمن أربع نقاط رئيسية، حيث اعتبر أن أي مذهب للتفرقة العنصرية أو التفوق العنصري هو مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً، وأن التمييز العنصري هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية، وإخلال بالعلاقات الودية بين الشعوب وبالتعاون بين الأمم وبالسلم والأمن الدوليين، وهو لا يقتصر على إيذاء الذين يستهدفهم، بل يمتد أذاه إلى ممارسيه، هذا من جهة.

من جهة ثانية نشطت المجتمعات الإنسانية المحلية في الحد من هذه الظاهرة ومناهضتها، لاسيما عن طريق تشريع القوانين الداخلية لحماية حقوق الأفراد الأساسية عن طريق تجريم وملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم ومعاقبتهم، غير أن هذه الحماية تختلف من دولة أخرى على أساس درجة التقدم الحضاري للمجتمع وظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.