حركة خارج السرب | الإنسان لا يريد السعادة، يقول نيتشيه
الإنسان لا يريد السعادة، يقول نيتشيه
2019-04-29 | 2306 مشاهدة
سكوتي هندريكس
مقالات

سكوتي هندريكس
ترجمة: يزن ابراهيم

 

يريد الجميع أن يكونوا سعداء، أليس كذلك؟ ومن لا يريد؟ قد لا تريد التضحية بكل شيء من أجل المتعة، ولكنك تريد بالتأكيد أن تمتع نفسك. يوجد عدد وافر من العقاقير في السوق لحل مشكلات الاكتئاب، وطرائقُ تحقيق السعادة تُباع ويسوَّق لها عادةً على أنها شيء يمكنك اتباعه، وأنها ما ترغب به فوق كل شيء آخر.

إن طلب السعادة مقوِّم أساسي من مقوِّمات فكرتنا عن الحياة الخيِّرة، وقد أعلن توماس جيفرسون أنه حق غير قابلٍ للمصادرة. هذا يُلخص "الحلم الأميركي" خير تلخيص. ويرى كثير من الناس أن طلب السعادة هو معنى الحياة نفسها. ولكن، يصعب على البعض أن يدركوا أنه ثمة طريقة في التفكير ترى أنك لا تريد أقله أن تحاول أن تكون سعيدًا قدر ما تستطيع.

حسنًا، ثمة فيلسوف لا يعتقد أنك تريد السعادة بحدِّ ذاتها. إنه فريدريك نيتشه.

رأى نيتشه أن الطلب المُجرد للسعادة، والمُعرَّفة هنا على أنها تلك التي تمنح المُتعة، هو "تبديدٌ ممل لحياة الإنسان"، مُعلنًا أن "البشرية لا تسعى من أجل السعادة، فقط الإنكليزيُّ من يفعل ذلك"، مشيرًا بذلك إلى الفلسفة النفعية الإنكليزية التي تضع جلَّ تركيزها على السعادة الشاملة، تلك الفلسفة التي رفضها في أمثولته عن "الإنسان الأخير"، ذلك الكائن التَّعِس الذي يعيشُ في عصر "اخترعت فيه البشرية السعادة".

بدلاً من ذلك، كرَّس نيتشه نفسه لفكرة إيجاد معنى للحياة. اقترح "الإنسان الأعلى" الذي يخلق معنى للحياة، وذلك بدلاً من الإنسان الأخير، وعرض لنا أمثلة عن ذلك من بعض البشر الذين كانوا مستعدين لتحمل معاناة عظيمة باسم هدفٍ وضعوه. هل يمكننا تخيُّل أن مايكل أنجلو وجد رسم سقف كنيسة السيكستين عملاً ممتعًا؟ صرَّح نيكولاس تيسلا أن عزوفه عن الزواج كان ضروريًا لعمله ولكنه اشتكى من الوحدة طوال حياته.

هل هذه سعادة؟ إن أرادت هذه العقول العظيمة السعادة بحد ذاتها هل كانوا سيفعلون ما فعلوا؟ لا، يجيب نيتشه، لم يكونوا ليفعلوا ما فعلوه. لقد اختاروا السعي في طلب المعنى، ووجدوه. حقًا، هذا ما يريده الناس.

يوافق علم النفس على هذا في بعض الأحيان. اقترح عالم النفس ڤيكتور فرانكل Victor Frankl أن مفتاح الحياة الخيِّرة هو العثور على معنى لها، ومضى في ذلك بعيدًا ليقترح معاني إيجابية في معاناة مرضاه وذلك من أجل مساعدتهم على التحمل والاستمرار. استلهم أفكاره، التي نُشرت في كتابه ذو المبيع الأفضل بحث الإنسان عن المعنى Man’s Search for Meaning، إبان الوقت الذي أمضاه في مخيم اعتقال وملاحظاته حينها حيال قدرة الناس الذين عانوا من رعبٍ جسيم على الاستمرار عبر المعنى لا السعادة.

ثمة أيضًا سؤالٌ تطرحه حسابات المذهب النفعيِّ هنا على نيتشه. يرى نيتشه أن أولئك الذين يفعلون أشياء عظيمة يعانون بعظمة وأولئك الذين يفعلون أشياء مبتذلة يعانون بابتذال. ففي هذه الحالة، وإذا أراد المرء أن يُجري حسابات المذهب النفعيِّ، سيكون صعبًا، إن لم يكن مستحيلاً، أن يجد سيناريو يكونُ فيهِ صافي السعادة كبيرًا جدًا. لذلك يكون الإنسان الأخير مملاً جدًا؛ ذلك أن الأشياء التي تضمن له حصيلة صافي سعادةٍ كبيرًا هي غالبًا الشؤون المملة لا النشاطات المدفوعة بالمعاناة التي نلقاها مثيرةً.

تُدعى هذه المُشكلة "مفارقة السعادة". إن النشاطات الموجهة مباشرة لزيادة المتعة تعود بحصيلة غير كبيرة. وقد فهم نيشته هذه المشكلة وعبَّر عنها حين قال: "السعادة تُرافِق، السعادة لا تتحرك". إن الشخص الذي يستمتعُ بجمع الطوابع لا يجمعها لأنها تجعله سعيدًا بل لأنه يراها مثيرةً للاهتمام. السعادة أثرٌ جانبي. إن الشخص الذي يعاني طوال سنين في صناعة تحفة لا تتحقق سعادته بسببها، بل يجدُ المُتعة في الجمال الذي خلقه بعد الواقِعة.

بالطبع، ثمة معارضةٌ لفِكرة نيتشه. ففي كتابه المميز تاريخ الفلسفة الغربية استهجن المُفكِّر الإنكليزي العظيم برتراند راسل رأي نيتشه، ووجه نقده الرئيسيَّ إلى ما اعتبره وحشية ومعاناة مفتوحة، وقارن الأفكار النيتشويه بأفكار بوذا الرحيم، متصوِّرًا نيتشه يصيح:

"لمَ البُكاء لأن الناس المبتذلين يعانون؟ أو حتى لأن العظماء يعانون؟ الناس المبتذلون يعانون بابتذال والعُظماء يعانون بعظمة، والمعاناة العظيمة لا يُندم عليها ذلك لأن من يعانيها هم النُبلاء. إن مثلك الأعلى هو غياب المعاناة وهذا شأنٌ سلبيٌ بالكامل ويُمكن أن يتوفر في حالة العدم. أمَّا أنا، من جهتي، فلديَّ مُثُل عليا إيجابيَّة: أحترمُ ألكيبيادس والإمبراطور فريدريك الثاني ونابليون، ولأجل رجالٍ كهؤلاء يكون أي شقاءٍ مُستَحقًا".

في مقابل ما سبق، يضع راسل أفكار بوذا ويعتبر أن أيَّ مراقب حيادي سيقف دومًا إلى جانبه. كانت تفسيرات راسل لأفكار نيتشه أقل من أن تكون دقيقة واطلع عليها من خلال ترجمات ضعيفة، فرأى أن فلسفة نيشته تضع حجر أساسٍ للفاشية وأن ركيزتها الألم.

لذا، حين تقدِّر أن ثمة شيئًا يفوق السعادة، كم ستكون مستعدًا لأن تعاني من أجله؟ يحاجُّ نيتشه بأنك ستتخلى عن كل شيء من أجل قيمة أعلى. ولا يزال البعض لا يوافق على هذا. هل أنت قادرٌ على السعي من أجل السعادة وتلقيها؟ أم أن نيتشه على صواب في أنك يجب أن تضع تركيزك في شيء آخر، تركز على المعنى، لكي تأمل لاحقًا أقلَّه بتحقيق الرضا؟

المصدر الأصلي للمقالة: https://bigthink.com/writers/scotty-hendricks