بقلم :صلاح بكري
تغيرت المجتمعات العربية في الربيع العربي فأعادت إنتاج نفسها لتكون ذاتها كمجتمعات غير ديموقراطية وطوباوية ومنهكة ومتطلبه للاستبداد بنسختيه الأعنف. العسكرية والدينية.
كادت الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا ،أن تنزل بنموذج الدولة الاستبدادية البيروقراطية إلى مستوى النموذج الإيراني الثيوقراطي الاستبدادي المطلق. وبهذا اقتربت من تكوين بنى سلطوية تشبهها. لكن لحسن حظ الأجيال الجديدة فإن تراجعا بهذه الخطورة لم يعد متاحا في ظل العولمة الزاحفة في كل الاتجاهات.
الثقافة المتجذرة في الوعي الجماعي للشعوب العربية هي ثقافة استبدادية إقصائية "باطنية" بطريركية متصادمة جوهريا مع الفردية لحساب الجماعة. معادية للاختلاف لحساب التشابه. رافضة للتعددية والتنوع لحساب قيم القطيع . كارهة للمرأة ك"إنسان كامل" . وعي منغلق على مفاهيم تنبذ الجمال والفرح والإبداع، وعي ما زال محكوما بالتمثل والانتماء والهوية. هذا المثلث المتضاد مع القيم الكونية التي أطلقها عصر الأنوار وعولمها الانفجار المعرفي المتواصل.
الدولة الوطنية الحديثة في العالم العربي كانت غريبة على التجمعات السكانية التي لم تكن قد بلغت بعد مرحلة "الاجتماع السياسي" ولم تتعرف على نفسها إلا بكونها رعايا ...
الحراك الشعبي في السودان والجزائر لن يأتي بأنظمة ديموقراطية.ليس في البلدين اي مقدمات أو تقاليد حرية . من السهل رؤية ظل العسكر في الانتفاضتين. ما لم تستطعه الثورة المصرية لن يكون ممكنا في السودان أو الجزائر.
تسبق الثورات الديموقراطية الكبيرة ، صدمات عنيفة تحدث جروحا عميقة في وعي الشعوب، تسببها تحولات فكرية - فلسفية - علمية - تقنية شاملة. لا ننتظر من وعي لم يتعرض لصدمات جارحة أن يكون ديموقراطيا وانسانيا وليبراليا ...
ليس بعد !