تعالج هذه المداخلة واقع الجسد العربي باعتباره آليَّة سياسيَّة وثقافيَّة للانتقام والتجريح والقتل كلما خرج هذا الأخير عن المألوف والمتعارف عليه في الثقافة التقليدانيَّة. فإذا كان هذا الجسد هو الوسيط العلائقي بين أفراد المجتمع ومرآته ثقافيَّاً، فإنَّ رصد واقعه وتحوّلاته هو رصد في العمق لهذه الثقافة في تجلياتها اليوميَّة.
تشكّل المرجعيَّة الدينيَّة للجسد أحد أهمّ موجّهات الفعل الاجتماعي وشرطاً سببيّاً لمنعه من حرّيته، وهي المرجعيَّة الارتكاسيَّة التي تفصل هذا الأخير عمَّا يستطيعه من قوّته الفاعلة، حيث يصبح الجسد ملكاً للمجتمع وأطره الأيديولوجيَّة، وليس ملكاً لصاحبه. من هنا يتأسَّس بُعد التكليف وينتفي شرط الاختيار. وهو ما يجعل رقابة المجتمع والدولة تمنع الجسد من حقه في الحياة: الحقّ في الغناء، الحقّ في الرقص، الحقّ في السباحة، الحقّ في الشمس، الحقّ في اختيار اللباس...إلخ. وهو المنع الذي يتّسع ويتمدَّد كلما اتّسعت دوائر ومدارات الحرام والطابو، وتقلصت مساحة الحريّات الفرديّة. فالجسد الأنثوي مكلّف بضمان استمراريّة النوع من خلال آليّة التناسل فقط، وداخل إطار الشرعيّة الأسريّة، حيث الزواج المؤسَّسة الوحيدة التي تضمن الحقّ في الجسد العاطفي، إذ لا يحقّ والحالة هاته اختيار المتعة، ومبدأ اللذة موقوف على هذه الوظيفة. وكلّ خروج عن هذا البراديغم يستوجب الانتقام كشكل من أشكال العنف الموجَّه للجسد عن طريق مختلف أشكال العزل والنفي. من اللّباس إلى حدّ الرجم والقتل، مروراً بالتشهير الذي لا يقتصر على المرأة بقدر ما يطال الرجل نفسه. إذا كانت المداخلة تقف على الأساس الأيديولوجي لنفي الجسد خارج الحق في المتعة والحياة، فإنَّها تعالج تجليّات ذلك في زمن العولمة من خلال آليَّة الانتقام والتشهير عبر الإنترنيت والوتساب، والفايس بوك...، وهي التجليات التي تجعل الجسد العاطفي بتعبير لوبروتون يقمع نفسه عبر آليَّات التنشئة الاجتماعيَّة.
للاطلاع على البحث كاملا إضغط هنا
عن مؤمنون بلا حدود