حركة خارج السرب | الأخوان غريشكا وايغور بوغدانوف :الله والعلم الشيفرة السرية للكون
الأخوان غريشكا وايغور بوغدانوف :الله والعلم الشيفرة السرية للكون
2019-04-29 | 3988 مشاهدة
الفاهم محمد
مقالات

بقلم :الفاهم محمد

إيغور وغريشكا بوغدانوف هما توأمان فرنسيان من أصل روسي، ولدا سنة 1949. عرفا في بداية الأمر في ميدان التنشيط التلفزيوني، وبعد ذلك تفرغا للكتابة في مجال الخيال العلمي، وعلم الفلك، والبحث في القضايا المحرجة للعلم، مثل قضية الأطباق الطائرة والكائنات الفضائية، لكنهما عرفا بالخصوص من خلال كتبهما المثيرة للجدل مثل: «ما قبل الانفجار العظيم» 2004 و«نحن لسنا وحدنا في الكون» سنة 2007 و«وجه الله» 2010 و«فكر الله» في 2012 ثم «نهاية الصدفة» في 2013، وآخر كتاب لهما كان تحت عنوان: «الشيفرة السرية للكون» والذي صدر سنة 2015.

ما يثير في موضوع الأخوان بوغدانوف ليس فقط طابعهما البحثي، وقدرتهما على طرح القضايا العلمية المعقدة بلغة مبسطة. يكفي أن ننظر إليهما لنعرف بماذا يتعلق الأمر. من هما هذان الشخصان اللذان يحملان رأسين كبيرين، تعلوهما تشوهات قبيحة وذقن متدلٍ إلى الأسفل. لا يوجد حتى الآن تفسير قاطع حول ما أصابهما، لكن الأرجح هو أنهما يعانيان مرضاً غريباً ونادراً يدعى «باجيه paget» يصيب العظام ويحدث فيها حدبات ونمواً غير طبيعي. مع ذلك هذه مجرد تخمينات فالرجلان لا يريدان الإفصاح عن سبب ما أصابهما، بل هما يزيدان الأمر غموضاً من خلال تصريحاتهما الغريبة.
سألهما أحد الصحافيين عما أصابهما فردا قائلين: «كيفما كان الحال هذا لا يهم ما دمنا قد جئنا من الخارج. نحن أول كائنين فضائيين يتمتعان بتصريح للإقامة فوق الأرض». طبعا هما ذكرا هذا على سبيل المزاح. غير أن الشائعات والقيل والقال كثيرة حول هويتهما.
إذن من هما هذان الشخصان اللذان يظهران كمسخين غريبين؟
وبغض النظر عن لغز هويتهما، فإنهما لا يستمدان شهرتهما اليوم فقط من سحنتهما الغريبة، بل أيضاً من طبيعة القضايا التي يثيرانهما في الأوساط العلمية، والحيوية التي أدخلاها على إشكالات كانت تبدو على أنها معقدة وبعيدة عن متناول عامة الناس. من بين هذه القضايا نذكر ما يلي:

الله والعلم
في كتابهما السابق ذكره (وجه الله) 2010 وهو الكتاب الذي قدم له روبير ويلسون أحد الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء. يؤكد الكاتبان العلاقة الضرورية الموجودة بين الفيزياء والميتافيزيقا خاصة في مجال علم الفلك. صحيح أن هناك نظرية علمية قوية تفسر لنا كيف ظهر الكون إلى الوجود وهي النظرية المعروفة بالانفجار العظيم. غير أن هناك العديد من الأسئلة التي تظل معلقة داخل هذه النظرية منها مثلاً: من أين أتت هذه الطاقة الهائلة التي كانت تسبح وتعم الكون والتي أدت إلى هذا الانفجار؟ وأكثر من ذلك من أين أتت كل هذه القوانين الدقيقة التي تتحكم في الكون برمته، والتي لو نقصت ولو بمقادير صغيرة جداً لما كان الكون على الشاكلة التي نعرفها عليه حالياً، وربما ما كان للإنسان أو للحياة بمجملها أن توجد. إن الانفجار كما نعلم يؤدي إلى الفوضى والدمار، أما الانفجار العظيم فقد أدى إلى النظام والدقة المتناهية. هناك إذن في نظر الكاتبين ثوابت فيزيائية موضوعة بعناية من أجل صالح الإنسان. مثل هذه الأفكار التي يدافع عنها الكاتبان جعلت الكنيسة تصرح أن هذا التأويل العلمي يتماشى مع ما يقوله الإنجيل.
أما في كتابهما (نهاية الصدفة) الصادر سنة 2014 فهما يؤكدان أن هذه الأخيرة غير موجودة فمنذ الانفجار العظيم كانت كل المقادير الفيزيائية موضوعة في الكون بدقة متناهية. يتفق العالمان مع الطرح الذي يتحدث عن وجود نظام مترابط من المعلومات الذي يعم الكون برمته. في نظرهما كما أن الإنسان يملك نظاماً معلوماتياً خفياً وهو ما نطلق عليه جزيئة (الدينا - ADN) هناك أيضاً جزيئة معلوماتية تتضمن كل شفرة الكون (Le code cosmique). يتناول هذا الكتاب فكرة أينشتاين الشهيرة التي يقول فيها بأن: «الله لا يلعب بالنرد» وهذا معناه أن الكون كله خاضع للضرورة. وعلى العكس من هذا تؤكد الفيزياء الكوانطية أن المادة في المستوى المتناهي في الصغر تتصرف بطريقة عشوائية. هذا الإشكال المرتبط بالمصادفة والضرورة في الكون ليس مجرد إشكال رياضي وفيزيائي بل له نتائج كبيرة على معتقداتنا وتصورنا عن مكانتنا في الكون. بمعنى أنه إذا كان الكون خاضعاً للضرورة فهذا دليل على أنه هناك خطة تنظم العالم، وأن هناك من وضع هذا النظام الدقيق الذي تخضع له الظواهر الكونية. بينما إذا قلنا بأن الكون يتصرف بطريقة عشوائية فهذا معناه أن الكون خلق نفسه بنفسه. يستعرض الكاتبان الأطروحتين معاً ويوضحان كيف أن التصور القائم على فكرة المصادفة والعشوائية هو الذي كان يسود أكثر المجتمع العلمي، غير أن التطورات التي عرفتها مسيرة العلوم مؤخراً جعلته يتراجع إلى الوراء. وبدأ الرأي القائل بالضرورة يتعزز أكثر خصوصاً مع ظهور نظرية المعلومات.
طبعاً من حق الإنسان أن يتساءل من أين أتى هذا الحقل المعلوماتي؟ إن سؤالاً مثل هذا سيجعل الفلسفة والدين والعلم يلتقيون في بوتقة واحدة إذ لا بد أن تكون هناك علة واحدة هي مصدر جميع الأسباب الأخرى. لا بد أن يكون هناك كيان واعٍ هو الذي يوجه هذه المعلومات نحو هدفها. يؤكد العالمان أن ما هو لا مادي هو المسؤول عن خلق المادي وهذا اللامادي لا بد أن تكون له الأسبقية والأولية على كل ما هو موجود.

مستقبل الجنس البشري
تنتظرنا في نظر هذين العالمين في المستقبل القريب أربعة ثورات ستغير بشكل جذري طبيعة الحضارة البشرية. هناك الثورة الرقمية التي نعيش بداياتها حالياً والتي ستؤثر في طبيعة الذكاء البشري. والثورة البيولوجية والتي تغير طبيعة الجسد البشري وقدراته. ثم الثورة الفضائية المرتبطة بغزو الفضاء والبحث عن كواكب أخرى صالحة للحياة. وأخيراً هناك الثورة الطاقية التي ستدفعنا إلى ضرورة اكتشاف أشكال جديدة من الطاقة تجعلنا نتجاوز الطاقات الأحفورية التي نعتمد عليها حالياً والتي تبين لنا بالملموس تأثيراتها الكارثية في الطبيعة.
هذه الثورات العلمية التي تسمى أيضاً من طرف علماء آخرين بـNBCI أي علوم النانو والبيولوجيا وعلوم الإدراك ثم المعلوميات. هناك اتفاق على أن هذه العلوم تشتغل بشكل متضافر بعضها مع بعض وستصل في سياق تطورها إلى نقطة محددة يطلقون عليها المفردة La singularité والتي ستدفعنا إلى الانتقال حتماً من حضارة إلى أخرى تتضمن مفهوماً مغايراً للحياة والإنسان والوعي. في نظر غريشكا هذا الأمر سيحدث قريباً في حدود 2025 على أكثر تقدير.
العديد من الأسئلة المصيرية التي تنتظرنا في المستقبل القريب، والتي ستدفعنا إلى القيام بمنعطف كبير في تاريخ الجنس البشري منها مثلاً السؤال الذي يتعلق بوجود أشكال أخرى من الحياة بما فيه الحياة العاقلة خارج الكوكب الأرضي. ومنها أيضاً الأسئلة المرتبطة بتعمير الجنس البشري للكواكب الأخرى. وهناك أيضاً أسئلة أخرى تتعلق، ليس باستكشاف الفضاء، بل باستكشاف الأبعاد الخفية وغير المتناهية التي يتضمنها المخ البشري. نحن اليوم لا نعرف عن المخ البشري سوى ما نعرفه عن القمة الظاهرة لجبل الجليد. وأكثر من ذلك تسير التطورات العلمية نحو دمج الذكاء البشري والذكاء الصناعي وربما في المستقبل قد ينظر أحفادنا إلى هذه الأمخاخ التي نحملها اليوم كما ننظر نحن اليوم إلى مخ الإنسان الحجري. ويبقى سؤال الأسئلة جميعها، ماذا لو تمكن الإنسان من قهر المرض والشيخوخة وأطال عمره إلى حدود قرن ونصف أو قرنين بل وتمكن من إدراك الخلود.
في كل هذه الأسئلة وفي غيرها انصبت جهود إغور وغريشكا بوغدانوف على تبسيط النظريات العلمية المعقدة، بغرض التغلب على غرابة الكون، لكن وللمفارقة ما زال هذان العالمان اللذان تجاوزا الستين من عمرهما، هما اليوم في حدود 67، يظهران كتوأمين غريبين بوجهيهما اللذين لا يشبهان أي إنسان آخر، وبتكتمهما على السبب الذي جعل وجهيهما يأخذان هذا الشكل. ما زالا يرفضان الإفصاح عن سر هذه التشوهات التي غيرت معالم وجهيهما، لدرجة أن البعض يهمس سراً: قد يكونان بالفعل ليسا من عالمنا. وإن كان الأمر كذلك يقول غريشكا وإيغور بوغدانوف في برنامج تلفيزيوني: «إذا كنا كائنين فضائيين هل تعتقدون أننا سنخبركم بذلك؟».

طاقة الكون الذكية
في نظر الأخوين بوغدانوف يمكن تقسيم الطبيعة إلى ثلاثة مستويات. الأول هو مستوى الواقع المحسوس وهو كل ما يمكن أن ندركه بحواسنا ونخضعه للملاحظة المباشرة. والثاني هو حقل الطاقة مثل طاقة الجاذبية أو الطاقة الإشعاعية أو غيرها من أشكال الطاقات. وهو حقل يمكن أن يكون في العديد من الحالات أقل محسوسية. نحن على سبيل المثال لا نحس مباشرة بالجاذبية. أما الحقل الثالث فهو حقل المعلومات وهو حقل يمكن أن نقول إنه اكتشف حديثا بفضل الجهود التي بذلت في مجال الفيزياء الكونية. هذا الحقل الثالث يمكن التعبير عنه رياضيا مثلا من خلال النسبة الدقيقة التي يوجد عليها العدد الذهبي أو كذلك من خلال الثوابت الفيزيائية. بالنسبة للعالمين هذا الحقل يتصرف بطريقة واعية وذكية، بل يمكن القول إنه كان موجودا حتى قبل الانفجار العظيم ما دام أنه مصدر كل ما هو موجود في الكون حاليا.
الفكرة نفسها التي دافع عنها الأخوان بوغدانوف في هذا الكتاب نجدها اليوم عند العديد من العلماء والمفكرين وإن كانت بتسميات مختلفة. فغريغ برادن gregg braden يطلق عليها اسم الماتريكس، ونسيم هاراميان Nassim haramein يسميها بالحقل الموحد أما إرفين لازلو Ervin laszlo فقد اختار لها كلمة سانسكريتية وهي الحقل الأكاشيكي Akashique الذي يدل على الطاقة الذكية الموجهة للكون برمته.

الاتحاد