ليست العربية غريبة عن غير أهلها قديمًا، ولا حديثا، لقد انتشرت خارج الجغرافيا العربية عبر تاريخها الطويل في ظروف السّلم والحرب، بل صارت في أوقاتٍ مختلفة اللغةَ الأولى قراءة وتأليفًا.
واليومَ، توجد مدارس وجامعاتٌ كثيرة في العالم، وفي البلاد العربية تقدّم اللغة العربية إلى غير الناطقين بها من أعمار ومستوياتٍ مختلفة ولغايات متنوعة دراسية وبحثية واستكشافية وتثقيفية وسياحية... ينهض بها معلمون وغيرُ مختصيّن، بعضُهم يعوّل على تجربته الخاصة وبعضُهم تشرف على عمله جهاتٌ مختصة.
ويحتاج المعلمون والمشرفون، لا شكّ، إلى نظرياتٍ عامّة في البيداغوجيا وفي تعلّمية اللغات منها يستلهمون، إضافة إلى تجربتهم الخاصة، أسسَ بناءِ المقررات وتنظيم المحتويات واختيار التمشّياتِ، ويحتاجون أيضًا إلى فرصٍ للتكوين والاطّلاع على الجديد والتبادلِ المستمرّ للخبراتِ...
1- لغة أجنبية أم لغة ثانية؟
عادة ما يقع التمييزُ بين اللّغة الأم واللغات الأخرى، دون أن يقع تدقيقُ المراد بعبارة "أخرى". إنها تعني على الأقل صنفين؛ هما: لغة أخرى ثانية LS، ولغة أخرى أجنبيّة LE، وهما صنفان على ما بينهما من تقاربٍ، بينهما أيضًا فروقٌ تنعكس بالضرورة على بيداغوجاتيهما وكيفية تعلّمهما.
يقوم التفريقُ بين هذين الصنفين على الأقل على معيارين؛ هما: وضعُ تلك اللغة في البلاد التي فيها تُدرس، وحاجةُ المتعلّم واستعمالاتُه لتلك اللغة. فـ"اللغة الثانية" تتمتع بوضع رسميٍّ، في بلاد المتعلّم (كالفرنسية في تونس، والإنجليزية في العربية السعودية...) يتكلّمها الناسُ، وتُعتمد التعليم وفي الإدارة والإعلام..
أمّا "اللغة الأجنبيّة"، فهي تلك التي يقع تعلّمها في الفصول، ولكن لا يتكلمها أغلبُ أهل البلاد ولا تتمتّع بوضع رسمي، كاليابانية في تونس وفي المملكة السعودية أو اللغة العربيّة في هولندا.
والحقيقة، إنّ المؤلفاتِ العربية في تعلّمية اللغة العربية لغة أجنبية، قليلةٌ لا تعبّر مع الأسف، عن وعيٍ بحجم هذه المهمّة وبصعوباتِها وضرورة تطويرها والنجاح في أدائها، لا باعتبارها مهمّة تدريسيّة بحتة، وإنما باعتبارها مهمة حضارية. ولذلك يبدو لنا من الضروريِّ في هذا المجالِ البحثيِّ الاستئناسُ بالمراجع وبالتجاربِ الأجنبية الفرنسية والإنجليزية، وغيرهما في تدريس لغاتهم لغاتٍ أجنبيّةً (كاتبي، 2012، ص439).
والناظرُ إلى حجم ما كتب الأوروبيون والأمريكيون وفي ما ينفقُون على تعليم لغاتِهم، وبالتالي في نشر ثقافاتِهم، يدرك فعلاً أنّ المسألة أكبرُ من مجرّد أنْ تكون قضية مدرسيّةً.
لا يمكن للعملية التعليمية أنْ تُحقق الأثرَ المنتظر منها في ظل غياب الرؤية والتخطيط
2- أركانُ عملية التعليم والتعلّم:
تتكوّن عمليّة تعلّم العربية وتعليمها، باعتبارها لغة أجنبية من أركان أساسيّةٍ، هي ذاتُ الأركانِ في كلّ عملية تعليم، وهي: المعلّم والمتعلّم والمحتوى التعليميّ وسياق التعلّم. ويتفرع كلُّ ركنٍ من هذه الأركان إلى أجزاءَ ومكوّنات؛ فالمتعلّمون مثلا ينقسمُون إلى أصناف بناء على الجنسِ والحالة الاجتماعية والمستوى الفكريِّ والميولات والاستعدادات، والمعلّمون هم بدورهم أصنافٌ من جهة ميولاتهم وطبيعة شخصيتهم..
ويتكون المحتوى التعليميّ من فلسفة عامة؛ أيْ أهداف كبرى علمية وقيميّة (برهومة، 2015)، وبالاستتباع من خُطَط وتمشيات ومحتوياتٍ.
ويتكون سياقُ التعليم من عناصرَ مثل الزّمان والمكان (Cuq, Jean-Pierre, 2014) وسائرِ ظروف العمل، سواء في الفصل أو في بيئة التعلّم الأكبر؛ أي المدرسة والمحيط الاجتماعيِّ والثقافيّ.
إنّ ما يميّز هذه الأركان التي ذكرنا ويمنحها خصوصية في ما نحن بصدده متغيراتٌ كثيرة، أهمّها أنّ اللغة بالنسبة إلى المتعلّم هي لغة أجنبيّة. وهذا متغيّرٌ مهمّ وحاسمٌ في ضوئه تتغيّر الاستراتيجيات والرهانات.
3- المراجع:
إنّ تعليمَ المعلّمين هذه الفئةَ اللغةَ العربيّة وآدابَها موضوعُ دراساتٍ أكاديمية في ازدياد. ولكنّها على قلّتها (الموسى، 2005)، مقارنة بالبحوث الأجنبية، تعبّر عن اتساع الظاهرة وعن ازديادِ الحاجة إلى مثل هذه المراجع لمواجهة كثير من الصعوباتِ التي قد لا تعترضُ معلّمي العربية في الفصول الأخرى..
ويمكن أنْ نسجل بدءًا ندرة المؤلفاتِ التي تهتم بتاريخ تدريسِ العربية، باعتبارها لغة أجنبيّة، رغم أهميّة هذا النوع من الدراسات التي ترصد نشأة الظاهرة وظروفَ ازدهارها أو انحسارِها.
على خلاف ذلك، اهتمت دراساتٌ كثيرة، مثلا، بالفرنسية باعتبارها لغة أجنبيّة، ودرست تطور هذه الظاهرة تاريخيًّا في علاقة بالتحولات الكبرى وبقضايا، مثل الحربِ والهجرة والتطور التقني (Cuq J.-P. & Gruca I, 2005).
أما المراجعُ التي يمكن الاستئناسُ بها في أداءِ هذا العمل، فهي وسائلُ ومواد متنوعة صوتية ومرئية ومكتوبةٍ، مثل الدراسات والمقررات ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية والتطبيقاتِ الإلكترونية على الحواسيب ومواقع الويب (الصرمي، 2017).
ويتّضحُ من خلال عناوينَ عددٍ غير قليل المؤلفات اعتمادها عبارة "لغير الناطقين بها"، وهي عبارةٌ غامضة حمالة وجوه، لأنّ وضع العربية الرسميّ في بلدان المتعلمين، وحاجاتهم إلى تعلّمها يمثلان، كما ذكرنا سابقا، معيارين يميّزان صنفين من تعلّمية اللغة هما: الثانية والأجنبية. أمّا وضعُ "عدم النطق بها"، فهو وضعٌ مشترك بالنسبة إلى كلّ المبتدئين. إن هذه العبارة لا تشير بدقة إلى أحد الصنفين على ما بينهما من اختلافٍ. ولمزيد توضيح ذلك، نقول: ثمة فرق بين تعليم التونسي النطق والكلام بالفرنسية وتعليمه النطق والكلام باليابانية؛ فالأولَى "لغة ثانية"، والثانية "أجنبيّة" بالنظر إلى وضع تلك اللغة في محيطه الاجتماعيِّ والثقافيّ...
وبسبب أنّ أغلبَ الدول في العالم لا تعتمدُ العربيّة لغة ثانية، فهي بالنسبة إلى أبنائهم الذين يرغبون في تعلّمها تعتبر لغة أجنبيّة. هذا التفريقُ مهمٌّ، لأنّه سينعكسُ على بناءِ الأهدافِ والمناهج وعلى الاختياراتِ البيداغوجية ومحتوى المقرّرات وطريقة التقييم...
4- المرجعيات:
إنّ الاقرارَ بوجود مشكلات والقدرة على تشخيصها والمساهمة في إيجادِ حلولٍ لها، يقتضي بدءًا أنْ يكون للباحث منطلقٌ نظريٌّ يمثّل مرجعًا يحتكم إليه، يقيّم في ضوئه الأداءَ ويرسم الحلول؛ أيْ أنْ يكون له تصورٌ نظريّ أو "مذهب" واضحُ الأسسِ والأهدافِ الكبرى المستهدفة؛ إذ في غيابِ ذلك لا يمكن أنْ تكون الممارسة إلاّ ضربًا من "التجربة والخطأ". وتلك ممارسة على ضرورتها أحيانا تكون خسارة للوقتِ وللجهدِ.
إنّ العملية التعليمية لا يمكن أنْ تُحقق الأثرَ المنتظر منها في ظل غياب الرؤية والتخطيط. والتخطيطُ بشكل عام يعني التفكيرَ في خطواتِ تحقيق هدفٍ معيّن.
ينبثقُ التخطيطُ إذن، عن أهدافٍ كبرى هي أهدافُ "فلسفة التعليم والتربية" التي تتواضع عليها وتقرّها الشعوبُ ممثلة في دولها وحكوماتهِا وقواها السياسية والاجتماعية، وتتضمن إجابةً عن سؤال محوريٍّ هو: ما الغاية من التعليم؟
عن هذا السؤال تتفرّعُ كلّ الأسئلة الأخرى، وتُرسم الأهدافُ الأخلاقيّة والوطنيّة والعلميّة.
ولعلّ ما يلاحظه الباحثُ في هذا السياق، أنّ الدول العربية محتاجة إلى تطوير ما بينها من أشكالِ التنسيق والتعاون، وقد أجمعت كلّها على أنّ الهدف الأسمى هو "خدمة اللغة العربيّة".
لقد تأكدت اليوم، بما لا يدع مجالا للشكّ، ضرورةُ التنسيق والتعاون بين الأفرادِ والمخابر والمؤسّسات العربية، والاستفادة بالاعتماد على الدراسات المقارنة (الشاطر، 2015)، من تجاربِ الأمم الأخرى.
ولعلّ انتشارَ الإنجليزية (وبدرجة ثانية الفرنسية) واعتمادَها لغة عالمية، يكون أفضلَ تجربة يمكن الاستفادة منها، ومن مجموع المؤلفاتِ النّظرية والإجرائية في تدريسها لغةً أجنبيّة في كثير من دولِ العالم.
ولذلك، فإنّ واضعي الأهداف محتاجون إلى الاستعانة بنماذج وتصميمات عالمية للبرامج التعليمية مثل ACTFL وCEFR، وإلى تطويرها بما يلائم الخصوصيات الثقافية والرهانات الحضارية (الشاطر، 2015، ص549).
إنّ خلقَ بيئة عالمية ترغب في تعلّم العربية، وذلك بدعم برامجِ التحسيس والتوعية، والإنفاقَ على بعث المعاهد ومراكز البحث، وتشجيعَ المعلّمين. كلّ ذلك يكون المقدّمة الأساسية لتطوير هذا المجال وخدمة العربية وآدابها على المستوى العالمي في عصر اشتد فيه التنافسُ بين اللغاتِ.
5- صعوبات تعلم العربية لغة أجنبيّة:
وبالنظر إلى أهمية التصوراتِ النظرية، يظل أكثرُ القادرين على اكتشافِ الصعوبات وتشخصيها هم المعلمون، فهم أثناءَ عملهم يكونون في مواجهة الوضعياتِ التعلّميّة الفعليّة بكل أبعادها.
إن كلَّ المتغيراتِ، رغم اجتهاد المنظرين في الإحاطة بها، تظل مركّبة العناصرِ لا يقدر على فكّ شفرتها غير فارسِ ميدان. ولذلك من المهمّ أنْ يتكامل البعدان النظريّ والتجريبيّ في تشخيص واقع المتعلّمين والإشراف على مسارات تعلّمهم.
5-1- موقف تعلميّ مركّبٌ:
إنّ كلَّ أركان عمليّة التعلّم مثل العمر والجنسية والغرضِ... هي من المتغيراتِ والعناصر المؤثرة، وهو ما يجعلُ الموقفَ التعليميَّ مركبا، شديد التأثر بما قد يطرأ من تغييراتٍ على هذا العنصر أو ذاك؛ يقتضي قدرة عالية من المرونة والمراجعة الدائمة.
ولقد حظيت هذه الفروقاتُ في عملية التعليم عامة بعناية علماء اللغة النفسيّ والاجتماعيّ، بل صارت أسّ فرع من البيداغوجيا هي "البيداغوجيا الفارقية" La pédagogie différenciée التي يُعدّ فيها التفريقُ مضاعفة للخطط والاستراتيجيات التعليمية، والتنويعُ ضرورةً ليتمكّن التلاميذ غير المتجانسين من أن يبلغوا الأهداف المشتركة (J-F François & K. Denis 2005, Philippe Perrenoud 1992).
إنّ أسئلةً مثلَ: من هو المتعلم؟ وما هو مستواه التعليميّ؟ وما هي لغته الوطنية؟ وما هو نشاطه؟ وما هي غاياته من تعلّم العربيّة؟ كلّها أسئلةٌ تحتاجُ إلى إجاباتٍ دقيقة وواضحة لضبط المحتويات والأساليب على نحو ناجعٍ.
ومن مظاهر هذا التركيبِ أو التعقيد تنوّعُ دوافع المتعلمين وحاجاتِهم وثقافاتهم وقدراتهم، ولذلك فإنّ النجاحَ في إكساب غير الناطقين بالعربية قدرةً على تعلّمها يقتضي الوعي بجوانب كثيرة مؤثرة، بل محدّدة، في عمليّة التعلّم، نفسية وثقافية ولغويةٍ...
وبالمثل تتنوّعُ أهدافُ معلّمي العربية لغير الناطقين بها، وتتنوّعُ استراتيجياتُ وخطط تعليم العربية لغير الناطقين بها، لاعتبارات دينية واجتماعية وماديّة وسياسيّة...
5-2- صعوباتٌ لغوية:
ككلِّ لغةٍ ليست لغةً أمًّا، أو لغة أولى يمثل تعلّمُ العربية بالنسبة إلى غير الناطقين بها أمرًا غير يسير، ومردُّ ذلك أنّ نظامَها الصوتي وقواعدَها الصرفية والنحوية ومعاني ألفاظِها لم تُطبعْ في أذهان المقبلين عليها حين النشأةِ الأولى. إنهم حين يقرّرُونَ تعلّمها يأتون إليها حاملين لغاتٍ أخرى مرسومة في أذهانهم بها تشكلّت شخصياتُهم ورؤاهم تختلف إن كثيرا أو قليلا عن هذه اللغة الجديدة.
إنّ اللغة الأم أو اللغة الأولى تكتسب إلى حدّ كبير بتلقائية. أمّا هذه الجديدة، فهي موضوعُ تعلّم محتاجٌ إلى دافعيّة قوية وإلى وضعياتِ تعلّم تواصليّة شبيهة بالمواقف الواقعيّة؛ ذلك ما تسعى المقارباتُ التعليمية النشيطة عامّة إلى أنْ تأخذه بعين الاعتبار. ويبدو أنّ التعلّم التعاونيَّ أكثر هذه المقارباتِ نجاعة وقدرة على تحقيق نتائج مرضية في هذا السياق، لأنها مقاربة توفّر بيئة تعلّم إيجابيّ سرعان ما يترك أثره على مسار التعلّم في بعديه اللساني والثقافيّ.
يحتاجُ تعلّم اللغة وتعليمُها إلى الأخذ بأحدثِ الاتجاهاتِ، وإلى القدرةِ على تنويع الاستراتيجياتِ والاستعانة بالتطور المعلوماتيّ والتكنولوجي
5-3- اللغة الأولى، هل تكونُ عائقا؟
إنّ اكتسابَ لغة من اللغات يجعل الذهنَ يتّسم بالمرونة والاستعداد لتعلّم أخرى. ولا ينقصُ تعلّم الثانية قدراتِ العقل شيئا؛ ذلك ما أكدته الدراساتُ، ولكنها بالمقابل أكدت أيضا، أنّ العلاقة بين الأولى والجديدة قلقة ومتوترة، إذ تظلّ الأولى مقاومة ورافضة، وهو ما يجعل تعلّم الجديدة أحيانا عسيرا.
إنّ اللغاتِ غير متشابهة إن قليلا أو كثيرا، إلاّ إذا أفرطنا في التعميم أو التبسيط. وعليه، فإنّ "كثرة الفوارق [بين اللغات] تشكل عقبة ليس من اليسير تجاوزها بالنسبة إلى متعلّم العربيّة، إذا كان يتكلّم لغة بعيدة الأصل عنها" (السراقبي، 2009، ص148).
5-4- الرّهانُ الثقافي:
ولمّا كانت اللغة لا تكتسِبُ دلالاتها إلاّ في سياقات الاستعمالِ الاجتماعيّ، بناءً على أنّ المعنى لا ينشأ من البنى اللسانية مجردة، وإنما هو ناشئٌ عن علاقة العلامة بسياق تداولها، تعترض غير الناطقين صعوباتٌ يمكن وصفها بكونها "ثقافية". فاللغة علامات لسانية وثقافة (البوشيخي، 2002) وانتماء وقيم ومنهج في التفكير وتمثّلٌ مخصوص للذات وللآخر. ولعلّ دروسا مثل المذكر والمؤنث، والحقيقة والمجاز والظاهر والمضمر توضّح هذا الاختلافَ والتنوع ...
تمثل الأبعاد الثقافية إذن، أحد التحديات بالنسبة إلى المعلّمين والمتعلّمين على حدّ سواء(خرما والحجاج، 1998)، وهو ما قد ينعكسُ سلبا على الموقف التعليميّ، فتفتر الرغبةُ وتضعف القدرة على التذوق النصوص وعلى فهمها...
وإنّ تذليل مثلِ هذه الصعوبات محتاج ضرورةً إلى تقوية الشعور بالحاجة وإلى ربط اللساني بالثقافي، واللغة بوضعيات الاستعمال. ولقد أفاض علماء التربية وعلماء النفس والاجتماع في الكلام على ذلك.
وإنّ ما تجدرُ الإشارة إليه في هذا السّياق، أنّ الدافعية من حيث المصدرُ نوعان: خارجية وداخلية. وإذا كانت المقارباتُ التي تستند إلى الفلسفة السلوكية اهتمت بالنوع الأول (خرما والحجاج، 1998 ص61 وفازدا وآخرون 1983)، فإنّ فلسفة التعليم التعاونيّ، وإن لم تستبعد "التحريض الخارجي"، إلاّ أنها أولت أهميّة كبرى للدافعية الذاتية الداخليّة. ولذلك، اعتبرناها مقاربة ناجعة في تعليم العربية لغير الناطقين بها؛ لأن تعليق التعلّم على دوافع خارجية قد يفضي إلى توقفه بانتفاء هذه العوامل..
والناظر في استراتيجيات التعلّم التعاوني وخططه، يلاحظ تركيزا على الأنشطة المحققة لهذه القدرة الذاتية، والسبب في ذلك تخليّ المعلّم في المقاربة التعاونية على دوره المحوريّ التقليديِّ.
إنّ إحلال المتعلّمِ المحلّ المركزيّ في عمليّة التعلّم يفترض مقاربة مرنة تعتبر اللغة تواصلا وظيفيّا في المقام الأول، ذلك ما يحققه التعلّمُ التعاوني الذي يقسّم المتعلمين إلى فرق مراعيا مبادئ التوازن والتدرج واختلاف أنساق التعلّم، ويعطي فرصة أكبر للمتعلّم للمساهمة وللتقييم الذاتي وللتعاون الأفقي، ويتوسل بأنشطة وألعاب موهمة بواقعية الموقف، ويوظف التقنيات الجديدة لتستمرّ عملية التعلم في غياب المدرسة والمعلّمِ.
إنّ مجموعَ التحديات سواء الناشئة بسبب اللغة الأولى أو المتأتية عن الثانية الجديدة أو عن ظروف تعلّمها تجد حلاّ لها في توفير بيئة إيجابية قوامُها الاعتراف بالتميّز الفردي وتعزيز التعاون الجماعيّ.
6- بيداغوجيا التعليم التعاوني:
يحتاجُ تعلّم اللغة وتعليمُها إلى الأخذ بأحدثِ الاتجاهاتِ، وإلى القدرةِ على تنويع الاستراتيجياتِ والاستعانة بالتطور المعلوماتيّ والتكنولوجي.
ولقد أثبتت الدراساتُ النظرية والتطبيقية أهمية اعتماد استراتيجيات "التعلم التعاوني" في تعلّم اللغة (كالعربية مثلا) لغةً أجنبيةً. ومردّ ذلك، ما يوفره "التعلّم التعاوني" من مناخ إيجابيّ بين الأفرادِ من أجل تحقيق هدفٍ مشترك، انطلاقا من كون مسار التعلّم يقوم بالأساس على قيم التعاون والتبادل والتّشارك.
إنّ من شأن مثلِ هذه القيم أنْ تقوّي "تقدير الذات" وتثبّتَ فكرة أنّ النجاحَ لا يكون إلاّ حصيلة جهدٍ جماعيّ تعاوني يحتاج فيه الواحدُ إلى الآخر.
ولمّا كانت اللغة المرادُ تعلّمُها لغة أجنبيّة، فإنّ المتعلّمَ يشعر بالغربة إزاءها، وبالخوفِ منها فلا يقدر على التغلب على ذلك، إلاّ إذا شعر بأنّه مثلما هو محتاجٌ إلى مساعدة الآخرين، فإنّ الآخرين محتاجون إليه.
ويتيحُ التعلم التعاونيُ أنْ يتراجع دور المعلّم ليكتفي بالمراقبة والتوجيه، وأنْ ينهض، في المقابل، المتعلّمون بدور أساسيّ يقوّي لديهم الشعور بالمسؤولية والانتماء، وهو ما ينعكس إيجابًا على الجوانبِ المعرفية والوجدانية والمهارية من شخصياتهم.
6-1- تعريف التعليم التعاوني:
يقول ج ليغال Le Gal: "إذا كنا نريد أنْ نجعل من البيداغوجيا التعاونية مبدأ أساسيًّا في الحياة الاجتماعية، وبيداغوجيا في الفصل، فإنّ ذلك يتطلّب منّا التزاما بمفهومٍ الإنسان والمجتمعِ والقيم والعلاقات بين الناسِّ وحركة الأفكار يتجاوز إطار المدرسة" (Annick Lavoie, 2012, p4). ولذلك، فإنّه لا يمكن أنْ ندرك ماهية هذه البيداغوجيا، وأنْ نضبط مفهومَها ما لم نتبيّن مفاهيم أشملَ من الفصل تتأسس عليها مثل مفهومِ الإنسان والمجتمع والقيمِ.
إنّ البيداغوجيا التعاونية ككلّ هي بيداغوجيا فعلٌ تواصليّ تفاعليّ بين عناصر المجموعة المختلفة والمتنوعة من جهة القدرات والميولات والمهام، والتي اتفقت جميعُها على إنجاز عملٍ مشترك ومحدّدٍ في الزّمان والمكان.
ولقد عرّفها هاودن ومارتين، باعتبارها مقاربة تفاعلية في التخطيط لعمل ما وإنجازِه (J.Howden. et H. Martin, 1997, p6). وبالتالي، فإنّ كلّ متعلم هو عضوٌ في مجموعة، وليس مجرد فاعل مفرد ومستقل بذاته، وكلّ عملٍ يرجى من ورائه تغييرُ الواقع هو مشروعٌ جماعيّ، تنهض به المجموعة كلّها.
ذلك هو المبدأ الأساسيُّ المميّزُ لهذه المقاربة التي يمكن اعتمادها في شتّى مناحي الحياة الاجتماعية عامّة، وفي الفصول الدراسية على وجه التحديدِ.
6-2- أهم استراتيجياته:
تعرّف الاستراتيجيا بكونها علمَ التخطيط، وهي تعني الخططَ التي يعتمدها الأفرادُ أو المجموعات لتحقيق هدف معين في ضوء معرفة بالواقع وبالإمكانيات المتاحة.
وتتّصفُ الاستراتيجياتُ الناجعة عموما بالواقعية والمرونة والقدرة على التنبؤ، وباستغلال كل الإمكانيات والقدرة على السيطرة على الزمن وبتوزيع المهام وبالقدرة على التقييم والمراجعة. وتمثل "بيداغوجيا المشروع" إحدى أهمّ أسس التعليم التعاوني.
6-2-1- المشروع:
تُعدّ بيداغوجيا المشروع pédagogie de projet تطبيقا للبيداغوجيات النشيطة التي تتحقّق فيها التعلّماتُ من خلال الإنجاز الفعلي لمنتوج ما عبر مسار له منطلق ونهاية..
إنّ البيداغوجيا التعاونية في معنى من معانيها هي بيداغوجيا إنجازِ المشاريع الجماعية، انطلاقا من كون المشروع مجموعة من المهام المحددة؛ تقوم على عدد من المبادئ منها الإرادة الحرّة والتشاركية والتنظيم والواقعيّة، وتفضي عبر مسار زمنيّ إلى تحقيق منتوجٍ (جون ديوي، 1978).[3]
ونحن إذا ما نزلنا هذه المقاربة ضمن المجال التعليميّ في المدارس تبيّنا، بالعودة إلى المؤلفات النظرية والتطبيقية، أنها تجعل التلميذ شريكا فاعلا في بناء المعرفة عبر عقد جماعي، يثير فيه الدافعية والرغبة في التعاون لتحقيق الهدف المشترك. ولا شكّ في أنّ مقارنة سريعة بينها وبين المقاربات التقليدية توضّح الاختلافات الجوهرية في تصور كل منهما للإنسان وللعلاقات بين الناس وللقيم والأفكار (البخاري وآخرون، 2006).
ولما كان المبدأُ الجامعُ لمقاربة "البيداغوجيا التعاونية" هو: أنْ نتعلّم التعاون، وأنْ نتعاون لنتعلّمَapprendre à coopérer et coopérer pour apprendre فقد صارَ من الضروري أن تعبّر الاستراتيجياتُ والخططُ المعتمدةُ، في موقف تعليمي مَا، عن هذا المبدأ وأنْ تحقق هذا الهدفَ.
إنّ الاشتغالَ في الفصول، بغض النظر عن طبيعة المواد، وفق هذه تمشيات "بيداغوجيا المشروع" ومبدأ التعاون يطوّر، لا شكّ، مختلف المهارات الذهنية والوجدانية واللغوية والعلائقية والجسمانية، ويعزّز الدافعيّة ويحقق الثقة في النفس، وبالتالي فإنه يخلق سياقا تعلّميا إيجابيا يتحرّر فيه المتعلّم من التواكل والسلبيّة ويتحوّل إلى معلّم آخر في علاقته بذاته وبأعضاء فريقه.
6-2-2- توظيف التقنيات الحديثة:
تعود المحاولاتُ الأولى للاعتماد على الحواسيبِ في الفصول الدراسية إلى تسعينيات القرن الماضي، ورغم ما تحقق في مجال توظيف التقنيات الحديثة في التعليم، فإنّ تدريسَ الآداب واللغات على وجه الخصوص ما يزال غير مستفيد كل الاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية.
إن للاعتماد على الوسائطِ والبرمجيات في التعليم فوائدَ أشارت إليها أغلبُ الدراسات منها التنوّعُ والسّرعة والتفاعليّة والمرونة.
ولقد تطور، في هذا السياق، الاعتمادُ على شبكة الإنترنت وعلى ما توفره من محتويات صارت أساسيّة في عملية التعليم والتعلّم؛ من ذلك مثلا مقاطع الفيديو التي اختصت بعض المواقعِ، مثل اليوتيوب، في نشرها (Maureen J, 2000).
وبغض النّظر عن مدى قدرة معلّمي اللغة العربية على استخدامِ هذه التقنيات، وعن مدى توفرّها في المدارس، ومدى حرصِ واضعي البرامج على تثبيتها اختيارًا الزاميّا، فإنّ الفرصَ القليلة في الاعتماد عليها وعلى الفيديوهات على سبيل التخصيص هي لا شكّ مفيدةٌ وبمنأى عن حصول أيّ خر جسيم، لأنّها محفزةٌ لكلّ الحواس، ولأنّ محتوى الفيديوهات، سواء تلك التي ينشئها المعلمون، أو تلك التي يحمّلونها من اليوتيوب تتوفر على الحدّ الأدنى الضروريّ من سلامة المحتوى المعرفي والأخلاقي. وعليه، فإن كل "أثر سلبيّ" إنما هو، في رأينا، من استتباعات جدّة المقاربة؛ والتي يمكن الحدُّ منها تدريجيا بالممارسة والتقييم.
6-3- الفيديو في تعلّم العربيّة لغة أجنبية:
لا يخفى على أحد ما صارت تحظى به الصورة في عالم اليوم بسبب سحرها وقوة تأثيرها، خاصة حين تكون ملونة ومتحركة، ورغم الاعتراضاتِ عليها بسبب تأثيراتها السلبيّة، إلاّ أنها، مقارنة بأدوات ووسائل أخرى، برهنت على أنها تنجز من الوظائف والأدوارِ ما تعجز عنه الكتابة أو الكلام الشفوي؛ من ذلك مثلا التحفيز البصريّ ومحاكاة الواقع وتوظيف الإيماءة والحركة وكسر الروتين والقدرة على التحكم في مقاطع العمل ومراحله واستغلال الوسيلة خارج الفصول (2005 Ducrot, Jean-Michel,).
والحقيقة، إنّ توظيفَ الفيديوهات يثيرُ صعوبات كثيرة على المعلمين، لذلك هم محتاجون إلى مهارات للتغلب عليها(ديب 2012، ص 2012 وCompte, C, 1993). ورغم قلّة المحتوى العربي على يوتيوب مثلا، مقارنة بمحتويات اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية، إلاّ أنه يظل يمثّل مكتبة هائلة مقارنة لا يمكن الاستغناء عنها (مصطفى، 2008).
يحتوي "اليوتيوب العربي" على أفلام ومقاطع فيديو وصور متحركة ومواد أخرى كثيرة مرئية ومسموعة، يمكن استغلالها لتطوير مهارات الاستماع والمحادثة الشفوية وكتابة الحروف والكلمات في حصص تعلم العربية لغة أجنبية.
وعلى أهمية هذه الفيديوهات، وأهميّة الصورة والألوان والمؤثرات الصوتية في التحفيز وتقوية القدرة على التذكر(فراونة، 2012)، فإنّ هذه التقنيات تطرح تحدياتٍ على المربين وعلى المشرفين على التعليم ومساعديهم من التقنيين من ناحيتين: الكمّ والكيف. أما الأوّل، فهو المتعلّق بالمحتوى المعرفيّ ومدى قدرته على أنْ يكون غزيرًا ومتنوعا ومنسجما مع مقررات تعليم العربية لغة ثانية. وأمّا الثاني، فهو المتعلّق بعملية الإخراجِ، وهو جانبٌ مهمّ للغاية، لأنّ المستهدف من التعليم مبتدئٌ في تعلّم اللغة يحبّ الاستعانة بالألوان والأشكال وينجذب إلى الحركةِ وتؤثر فيه الصورة والموسيقى.
ولعلّ مقارنةً سريعة بين فيديوهات تعليم اللغات الأجنبية في "اليوتيوب الأجنبي" و"اليوتيوب العربي" كفيلة بتأكيد أنّ هذا المجالَ لا يزال عندنا أرضًا بكرًا تحتاجُ إلى عمل وإثراءِ.
واستئناسا بتجاربَ كثيرة، يمكن لمعلّمي العربية لغة أجنبيةً، الاستفادةُ من التقنيات الحديثة كالحواسيب والتسجيلات الصوتية والفيديوهات في تعليم الأصواتِ العربية، وتمكين المتعلّمين من نطقها واحترام مخارجها وصفاتها. ويمكن اعتمادُ الفيديوهات للربط بين نطق الحرف وشكل كتابته، وتعليم تقطيع الكلمات إلى حروف، والجمل إلى كلمات، وربط الكلمات والجملِ بصور ثابتة أو متحركة دالة على معناها، ولتعليم الخط والكتابة والمعنى وتذليل صعوبات القراءة ومساعدة التلاميذ على المحاورات الشفوية استماعا ومشاركة في مواضيع متنوعة. ويمكن اعتماد الفيديوهات في إنجاز التدريبات والاختبارات التقييمية الذاتية التكوينية أو الجزائيّة.
فعلى الرغم من عدم إمكانية الاستغناء عن المعلّم، ورغم محدودية قدرة الحواسيبِ والتطبيقات على التنبؤ بكلِّ حاجات الدارسين واستجاباتهم والتفاعل معهم على نحو إنسانيّ، إلاّ أن مثل هذه البرمجياتِ والتقنيات تظلّ كما تقول، هاديا كاتبي، مجالا خصبًا لا شكّ في أنه يحتاجُ إلى توّفر الأجهزة وإلى كفاءة وجهود موازية ومتكاملة(نور الدين، 2007) نظرية وتطبيقية تدمجُ بين مبدأيْ توظيف التقنيات الجديدة، وتحويل التعلّم إلى مشروع تعاونيٍّ يأخذ بعين الاعتبار تنوّعَ الأنساق واختلاف المهارات، ويحقق الأهداف المشتركة.
في هذا السياقِ، يمكن أنْ نشير إلى "مشروع العربية التفاعلية"، بمعهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود. ويمكن أنْ نستفيد من محاولاتٍ أخرى في المكتبات وعلى الشبكة العنكبوتية، لأنه كلُّها ستساعد على كسر روتين الطرق والأساليبِ التقليدية، التي تكتفي من الوسائلِ بالكتب والسبورات الخشبيّة، وتقوّي الدّافعيةَ، وتساهمُ في خلق بيئة تعلّم إيجابيّة يتحوّل فيها فعلُ التعليم إلى مسار تعلّم ذاتي وتعاونيّ وعصريّ في آنٍ.
اللغة العربية لغة دين وثقافة وتاريخ وعلوم، وقد احتلت في تاريخها الطويل مواقعَ رائدة ولعبت أدوارًا إنسانيّة جليلة
خاتمة:
يحتاجُ تعليم اللغة وتعلّمُها إلى الأخذِ بأحدث الاتجاهاتِ وإلى القدرة على تنويع الاستراتيجياتِ والاستعانة بالتطور التكنولوجي والاعتناءِ بمناخ التعلّم وبقدراتِ المتَعلّمين وميولاتهم والعملِ على تطوير كفاياتِ المعلمين.
وقد أثبتت الدراساتُ أهمية اعتماد استراتيجيات "التعلم التعاوني" في التعلّم عامة وفي تعلّم اللغة (كالعربية مثلا) باعتبارها لغة ثانيةً، ومردُّ ذلك ما توفره هذه الاستراتيجيات من مناخٍ إيجابيٍّ بين الأفراد من أجل تحقيق هدفٍ مشترك، انطلاقا من كون مسار التعلّم فيها يقوم بالأساسِ على التحفيز الذاتيّ وعلى قيم التبادل والتشارك وعلى التوظيف المستمرّ لما يستجدّ في عالم التقنيات.
إنَّ مثل هذه القيم تعزّز "تقدير الذات" ومبدأ أنّ النجاحَ لا يكون إلاّ حصيلة جهدٍ جماعيٍّ تعاونيّ يحتاج فيه الواحدُ إلى الآخر.
إن شعور متعلّم اللغة الأجنبية بالخوف وبالغربة، هي صعوبات في جوهرها نفسية تحتاج إلى مناخ تعلّمي تعاونيّ.
تساعد التقنيات الجديدة مثل الفيديوهات على تراجعَ دورُ المعلّم وتعزيز دور الطلبة في عملية التحصيل والتقييم، وتقوية شعورهم بـالمسؤولية وبالانتماءِ؛ أي بأنهم كيانٌ واحد النجاح والإخفاق فيه شأنٌ جماعيّ.
ومن المعلوم أنّ اللغة العربية لغة دين وثقافة وتاريخ وعلوم، وأنها في تاريخها الطويل احتلّت مواقعَ رائدة ولعبت أدوارًا إنسانيّة جليلة، وهي وإن كانت اليومَ تشهد صعوبات في أن تتبوّأ المكانة التي تستحق في العالم، إلاّ أنها ما تزالُ صامدةً تقاومُ بفضل جهود الناطقين بها ودولهم ومؤسساتها.
في هذا السياق، يمكن أن نشير إلى معاهد تعليم اللغة العربية لغة أجنبية في عدد من أقسام وشعب الجامعات وفي مراكز ومؤسسات أخرى تعملُ كلّها على تطوير هذه المهمّة الحضارية من خلال تقديم الدروس وإنجاز دورات التدريب، والتشجيع على البحث والتأليف وفتح أفق للمهتمين وعقد المؤتمرات التي تكون فرصة لتبادل الخبرات.
فهذه المؤسسات والمراكز تسعى إلى تطبق المستجدات في علوم اللغة التطبيقية، خاصة في مجال تعليم اللغة، على تعليم العربية للناطقين بغيرها، بدءا بالتأكيدِ على أهمية التفريق بينه وبين تعليمها لأهلها ومرورا بمراعاة العوامل الثقافية والخلفيات اللغوية للدارسين وانتهاء بمراعاة المراحل العمرية والتعليمية لهم، إضافة إلى نظرية تعليم اللغة العربية لأغراض خاصة (صالح، 2017، ص21).
وبالتالي، فهي تحاول أن تحقق من المبادئ والاستراتيجيات من ذكرنا آنفا: ضرورة التكامل بين النظري والتطبيقي، والاستفادة من المستجدات في هذا المجال، وضبط خصوصية هذا النوع من التعليم وتفريقه عن سائرِ الأنواعِ الأخرى (اللغة الوطنية، الثانية، الأمّ... إلخ)، ومراعاة العامل الثقافي، والخلفيات اللغوية للطلبة، ومتغيرات مثل العمر والمستوى التعليمي والغرض من التعلّم، وهي المبادئُ والمعايير التي تنهض عليها في رأينا مقاربة التعلم التعاوني، والتي يجبُ أنْ يتأسس عليها كلّ تفكير في تعليم العربية لغة أجنبيّة مادة تدريسيّة ومشروعا حضاريا في عصر "حروب اللغات".
بقلم رضا الأبيض