حركة خارج السرب | هل التخلف والتأخر العربي خرافة؟؟
هل التخلف والتأخر العربي خرافة؟؟
2017-12-11 | 1725 مشاهدة
مقالات

خرافة بقلم حنان عقيل :

يراوح العرب اليوم في حالة من التردي الاجتماعي والسياسي والثقافي العام في واقع تسارعت فيه الخضات الكبرى والتحولات، وعصفت به المفاجآت من كل نوع، إلا مفاجأة الانتقال السعيد إلى دولة القانون والحقوق المدنية و المؤسف أن المراوحة في سوء الأحوال، بل والنكوص الفكري ظلا يتسابقان في مضمار واحد مع أشواق التغيير واللحاق بركب المستقبل في تطلعات الأجيال الجديدة. وما واجهه العرب من تحديات وجودية خلال المئة سنة الأخيرة، أمةً وثقافةً، وضعَت أسئلته مرارًا تحت “مشرط” مثقفين ومفكرين لتقصّي أبعاده والتعمق في أسبابه. لم تعد الأحوال السيئة في حاجة إلى إثبات بعدما حافظ العرب لعقود على مواقعهم المُتدنية المُتخلفة عن ركب الحضارة. لكن بحث سبل الفكاك من الوضع الذي عززته عوامل مُعقدة ومُتشابكة جغرافية وسياسية وثقافية واقتصادية لا يزال ضرورة مُلحّة لم تنقطع الحاجة إليها. ثمة أطروحات فكرية متعددة ومتباينة تستشرف أفق الحل والانعتاق من أزمات العرب الحضارية التي جعلتهم قابعين في أسفل الركب وممعنين في تخلفهم وترديهم، دون وجود بادرة أمل حقيقية تُمثل طوق النجاة من تلك الأزمات المتتالية والمُستفحلة، حلول ربما اختلفت باختلاف فهم وإدراك أسباب المشكلة. وفي كثير من الأحيان كانت الاستراتيجيات المطروحة يجافي بعضها الآخر، وكل تصور يطرح نفسه باعتباره الخلاص الأمثل؟

لا ينكر جلال أمين أن العرب اليوم في أحوال سيئة، لكنه يرفض أن يسمهم بالتأخر أو التخلف، فالتقدم والتأخر ليسا سوى خرافة في رأيه خصوصًا مع إصراره على أن التقدم التكنولوجي في الغرب لا يعني أنه متقدم بالضرورة. يُلِح أمين على الفكرة، مراراً، في كتاباته “نحن فقراء ولكن هذا لا يعني أننا متخلفون. هم متقدمون علينا في التكنولوجيا ولكن في الحياة أشياء أخرى غير إنتاج السلع. أما التخلف فهو ليس إلا الشعور بالعار”.

أفكار جلال أمين تتمحور حول رفضه لما أفرزته العولمة من تقارب بين دول العالم وضياع للهويات والخصوصيات الثقافية، ومن ثم فكثير من أوجه الضعف أو سوء الأحوال العربية يمكن رده إلى تأثيرات خارجية تارة إلى الاستعمار وأخرى إلى الغزو الثقافي وسعي الدول الكبرى لفرض هيمنتها على الدول العربية. وانطلاقاً من هذا التصور، فإن العرب لا يلومون سوى الدول المُستعمِرة التي أودت بالأحوال إلى ما هي عليه الآن، بعيدًا عن أيّ إدانة للذات العربية أو تحميلها المسؤولية بأي شكل عما آلت إليه أحوالها!

ولكن ألا تضعنا هذه الرؤية في دائرة مفرغة تجعلنا نبحث في سوءات الحضارة بدلًا من البحث في سوء أحوالنا، وفي سبل الخروج من مستنقع الجهالة؟ هل بات كثير من المثقفين العرب مصاباً بداء الغرب، إما في انبهار مرضيّ بمظاهر حضارته، أو في رفض كامل له يُحمِّله المسؤولية عن جلّ مشاكل مجتمعات الشرق؟ إلى أين يمكن أن نصل في نقد الحضارة الغربية، في وقت تتعاظم فيه أزماتنا ومشكلاتنا العويصة، بل وانهياراتنا؟ هل الأولوية فعلًا يجب أن تنصبّ على مجابهة المجتمع الاستهلاكي ورفض العولمة ومؤسساتها، بينما المجتمعات العربية لا تزال غير قادرة على بناء المؤسسات الحديثة والفكاك من سطوة استبداد ديني وآخر سياسي؟

“خرافة التقدم والتأخر”:

 أظن أن افتتان العرب بالغرب كان سببه أساسًا تقدمهم التكنولوجي، صحيح أن التقدم التكنولوجي في الغرب جاء معه تقدم علمي وفكري وأخلاقي في أحيان كثيرة، لكن تقدم الغرب أظنه بدأ أساسًا بتقدم تكنولوجي منذ الثورة الصناعية أواخر القرن الثامن عشر. قبل ذلك لم تكن الفجوة ما بين العرب والغرب كبيرة أو ملحوظة، حتى في عهد محمد علي لم يكن واضحًا جدًا أن الغرب متقدم بشكل كبير عن العرب.

كنت أقرأ في كتاب للمفكر اللبناني شكيب أرسلان بعنوان “لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟” والذي يردّ فيه الأمر إلى ضعف الإرادة، فحينما تضعف إرادة الأمة يضعف ويتدهور كل شيء، وهو هنا ينفي أيضًا أن يكون سبب تدهور حال العرب تخلفهم التكنولوجي، فالإرادة العربية أصابها ضعف شديد في فترة ما، ولا تزال ضعيفة حتى الآن، وعندما تضعف الإرادة ينهار كل شيء.

إذن فالإرادة لها دور كبير يُبيّن أن استرداد التقدم أو الحصول عليه ليس مستحيلًا. المرض نفسي أكثر منه مادي، صحيح أن التقدم التكنولوجي أدى إلى تقدم في مسائل أخرى كثيرة لكن التقدم التكنولوجي نفسه يعتمد على أشياء نفسية أعتقد يمكن الحصول عليها.

لا يمكن الجزم بما يقال من أن العقلية العربية أكثر ميلًا بطبيعتها للفكر الغيبي والخرافي؛ فأوروبا في العصور الوسطى وحتى القرن الثامن عشر كان يسيطر عليها التفكير الغيبي
هناك مفكرون أكثر ميلًا لرد حالة الإخفاق إلى خلل في التكوين العربي، ولكني لا أعتقد بصحة هذا الزعم خصوصًا وأن العرب كانوا في وقت ما أعظم أمة في العالم وبالتالي لا يوجد شيء في العقلية أو النفسية العربية تمنعهم من الخروج مما هم فيه، طبعا يبدو الآن أنهم مليئون بالأمراض لكن ليس من الصعب علاجها.

ولا يمكن الجزم بما يقال من أن العقلية العربية أكثر ميلًا بطبيعتها للفكر الغيبي والخرافي؛ فأوروبا في العصور الوسطى وحتى القرن الثامن عشر كان يسيطر عليها التفكير الغيبي، التفكير غير العلمي كان موجودًا في الغرب إذن وليس صفة في العقل العربي، مع ذلك عرف الغربيون كيف يتخلصون منه. يمكنني التأكيد على أن التخلف الاقتصادي تحديدًا يجلب كل الأشياء السيئة ومنها حتى ضعف الإرادة وبالتالي نقطة البداية في رأيي تكون بحدوث إصلاح اقتصادي.أعتقد دومًا بأن التغير الاقتصادي مهم جدًا. من الجائز أن يكون ما قصدته أن المسألة تحتاج بعض الوقت، فليس كل تقدم اقتصادي يكون معه تقدم فكري ولكني أرى أن كل تقدم فكري عادة يسبقه تقدم اقتصادي مستمر لفترة معينة.

النهضة الأوروبية على سبيل المثال، هناك خلاف مشهور بين المفكرين الأوروبيين؛ بعضهم يرى أن النهضة حدثت بالانتقال من الكاثولكية إلى البروتستانتية، والبعض يرى أن التقدم الاقتصادي كان المحرك الأول. أرى أنه تاريخيًا في عصر النهضة الذي مرت به أوروبا من القرن 15 إلى القرن 18 ظهر مفكرون دعوا إلى تغيير النظرة إلى الإنسان باعتباره غير مسلوب الإرادة عكس ما كان سائدًا في العصور الوسطى. وأنا أكثر ميلًا لاعتبار هذه الأفكار نتيجة لنمو التجارة في تلك الفترة، ومع نموّها بدأ التغير في نظرة الإنسان لنفسه وبدأت الغيبية تضعف، لأن التجارة تُبين قدرات الإنسان في إحداث التغيير وإمكانية أن يكون هو المسيطر على مصيره ومن هنا بدأ عصر النهضة الذي أدى إلى الثورة الصناعية وتقدم العلوم والتكنولوجيا إلى آخره.

ورغم توافر الموارد الاقتصادية في بعض الدول العربية كدول الخليج مثلًا إلا أن ثمة فرقًا كبيرًا بين الثروة بدون جهد والثروة التي تأتي بعد جهد. التجارة في أوروبا كانت مصحوبة بجهد وتضحيات، أما الثروات في الخليج فهي منح من الطبيعة لم يبذل فيها جهد وبالتالي لا تؤدي لنهضة.إصراري على نفي التخلف هو محاولة أعتقد بأنها مهمة لتجنّب ما أطلقت عليه “الشعور بالعار”.ي الوقت الراهن يسيطر المستغربون على الثقافة العربية، هؤلاء الذين يقدّرون الثقافة الغربية بشكل زائد عن الحد. هذا لا ينفي أن لدينا الكثير من نقاط الضعف لكن نقاط الضعف تلك موجودة لدى كل أمة، والخطأ يكون بالاعتقاد أن ثقافتك هي الثقافة الوحيدة التي تستحق الحفاظ عليها، أو الاعتقاد بأنه لا بد من تقليد الآخرين.

لا بد من استعادة الثقة بالذات واحترام التراث الذي أعتقد بأنه لا توجد مشاكل فيه لكن المشكلة تكون في التمسك به لدرجة تعوق التقدم، ورغم وجود الانغلاق الهوياتي لدى البعض لكن ذلك لا يعني أنه نتيجة حتمية للتمسك بالتراث أو احترامه. والدي مثلًا وجيله من رواد الثقافة المصرية في القرن الماضي كانت لديهم فكرة الجمع بين التراث والمعاصرة، ودرسوا علوما غربية وتراثا واحترموا كليهما.

وفيما يتعلق بالموقف من الدين والهوية الدينية، هناك موقف عقائدي وموقف ثقافي؛ الموقف العقائدي يرى صاحبه أنه وحده يملك الحقيقة وما يطرحه غيره باطلًا، أما من الناحية الثقافية فكل دين يصبح جزءًا من التراث بلغته وقيمه الأخلاقية والاجتماعية إلى آخره. المتشددون والإرهابيون لا ينظرون للدين كمنتج ثقافي وإنما كعقائد ومسلمات، لكن ثقافيًا يمكن النظر إلى الدين كجزء من التركيبة النفسية للشخص وهذا ما يجب الحفاظ عليه.

نظرية المؤامرة:

مصطلح “نظرية المؤامرة” أراه سخيف جدًا، فليس كل ردّ لظاهرة إلى عوامل خارجية معناه الإيمان بوجود مؤامرة، لكن الفكرة أنه في حالة وجود طرفين أحدهما أقوى من الآخر من الطبيعي أن يسيطر ويهيمن ويؤثر الطرف الأقوى على الآخر الضعيف دون أن تكون هناك مؤامرة بالضرورة.

أنا أكثر ميلًا بالفعل لرد الضعف العربي في كثير من الأحيان لقوى خارجية، لكنني أرفض الوصف بأنه مؤامرة، واعتقادي بأن كثيرًا مما يحدث لنا بتأثير قوى خارجية ليس غريبًا لأن من سنة الحياة أن الثقافة القوية والنشطة من الطبيعي أن تهيمن على الأخرى، لكن ما ينبغي أن تفعله الثقافة الأضعف هو أن تحاول أن تحمي نفسها من الهيمنة. قد يكون التفسير النفسي لذلك، إن أردتِ، ابتعادا عن إدانة الذات، لكن بعيدًا عن ذلك فهذا محاولة للحفاظ على قدر من الثقة بالذات.

 نعم أنا لازلت على قناعة بأن الإرهاب ليس صناعة محلية، ليس بالضرورة أميركية لكنها ليست عربية. الدول الكبيرة مثل أميركا لا تستطيع أن تعيش دون عدوّ. لقد اخترعوا الشيوعية في وقت سابق كعدوّ، بالطبع كانت الشيوعية موجودة لكنهم صنعوا منها شيئًا مخيفًا، وصوروا الشيوعيين على أنهم فزاعة، ولما انتهى الخطر الشيوعي اخترعوا الإرهاب. هذا يحقق لهم أهدفا معينة تمكنهم من استمرار إنتاج الأسلحة وهو شيء مربح جدًا لتجار الأسلحة، كما تمكنهم من غزو بلد بحجة القضاء على الإرهاب أو السيطرة على دول مثل الخليج بحجة حمايتهم أيضا. كلمة إرهاب اختراع سخيف جدًا وسيء للغاية ويستخدم عادة لتبرير القهر.

“عصر التشهير بالعرب والمسلمين”:لا أحب مصطلح “تجديد الفكر الديني” لأني أظن أنها محاولة لاختيار الصحيح من الخاطئ وفيها تقليل من قيمة الدين وهذا أرفضه، فالدين يجب النظر إليه كمنتج ثقافي يجب احترامه ككل. مصطلحات الإسلام الحقيقي وغير الحقيقي أرفضها أيضًا لأنه لا يوجد سوى إسلام واحد بتفسيرات متعددة شأنه في ذلك شأن أيّ دين أو أيّ فكر، ومن ثم فالدين لا يوجد فيه حقيقي وغير حقيقي وإنما الإشكالية في التفسيرات التي قد نزعم صحتها أو خطأها.

أظن المخرج يكون بالتمييز بين الدين والتدين، فمن الممكن أن نجدد التدين بالتفكير في كيفية التعبير عن أفكارك في الدين إنما الدين نفسه لا يجدد، لا توجد مشكلة إذن في أيّ جهود إصلاحية تنطلق من هذا المنظور في إصلاح التدين أو تجديد الفقه بما يجعله متلائمًا مع تغيرات الواقع.

“التنوير الزائف” عبادة المستقبل لا تقل سوءا عن عبادة الماضي:

الغربيون لديهم الإيمان بفكرة التقدم إلى الأمام، وأن التاريخ سائر دائمًا إلى الأفضل وأن القادم بالضرورة أفضل من الماضي. أظن أن هذا غير صحيح بالضرورة؛ فالتاريخ به فترات صعود وهبوط، وإن كان التقدم التكنولوجي يسير دائمًا نحو الأفضل، فالتاريخ ليس بالضرورة سائرًا نحو الأفضل. عبادة المستقبل تتمثل في الاعتقاد بأن التاريخ يسير دائما إلى الأمام ومن ثم الرهان دائما على ما يحدث في المستقبل. طبعا الطموح إلى المستقبل جيد لكن القديم أيضا به أشياء جيدة، والجديد قد لا يحمل كل الخير وبه أشياء غير جيدة مثل الضعف في اللغة العربية، الذي أرى أنه ليس من التطور في شيء وإن اقترن بمعرفة لغة أجنبية، والتفكك الأسري أيضًا ليس من التقدم في شيء، التكنولوجيا لا تحمل الخير دائمًا ولا تسير بالضرورة في اتجاه جيد.

يتساءل جورج طرابيشي في كتابه “من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة اصر العولمة”العربية :في انتقادي للعولمة لا يعني بالضرورة أن لديّ بديلًا، العولمة حتمية وفرضت التقارب الشديد في العالم، ومن ثم ضعفت أو محيت الهويات الثقافية. حتمية العولمة لا تعني أن أحبها. ما الذي أريد الوصول إليه؟ أنا لا أحلم ولا أطرح استراتيجية، فقد أقوم بتوصيف الواقع كنت اتمنى لو الصلات في هذا .العالم لا تكون بهذا العنف الذي يجعل هوية تفرض نفسها على هويات أخرى بهذا الشكل. دعوتي مثلًا للحفاظ على اللغة العربية محاولة لمقاومة ما أكرهه في العولمة، لكن من أنا لتكون لديّ استراتيجية غير أن أستمر في الكتابة؟حرية الرأي والتعبير ليست بالضرورة شيئًا مستحبًا، فكرة إطلاق الحريات بشكل مطلق من الأفكار التي أخذناها من الغرب، الظن بأن كلما أطلقت حريات أكبر كلما كان هذا أفضل غير صحيح، لأن ذلك يعني التضحية بمصلحة المجتمع في مقابل مصلحة الفرد. هذا ينبه لضرورة وجود درجة من الانغلاق للحفاظ على النفس، فتقديس الحرية المبالغ فيه فكرة غربية وحديثة لم تكن موجودة دائمًا، طبعا الدكتاتورية غير مقبولة لكن القيود يمكن فرضها من قبل سلطة غير مركزية من خلال العائلة والمدرسة وغيره، وهي القيود التي تقل في الغرب في الوقت الراهن وهذا لا يعني أن الوضع أفضل. المهم تحديد ما الذي سيمنع وما مدى الطغيان أو الظلم فيه، وهذا يتطلب وجود قانون أخلاقي يحدده المجتمع ككل ليس مكتوبًا بالضرورة لكنه يضع القواعد التي يعاقب من يخرج عليها.

في أوائل القرن التاسع عشر في إنكلترا كانت العلاقة الجنسية المثلية ممنوعة ومعاقبا عليها، لكنها في الوقت الحالي مسموحة تمامًا. أنا أكثر ميلًا للموقف المحافظ القديم. الخروج على القواعد “قلة أدب” قد لا تستدعي المحاكمة أو السجن بالضرورة لكن لا بد من إعلان رفضها. هناك تصرفات تمثل تحديًا للنظام العام، الذي رغم كونه فكرة غير واضحة تمامًا، إلا أنه قد يحدد برفض المجتمع له أو قبوله.فيما يتعلق بمحاكمة المثقفين أو المفكرين، فأرى أنه لا مشكلة في الاجتهاد ولكن في أحيان كثيرة طريقة التعبير عن الرأي تكون هي المشكلة، يمكن الانتقاد أو إبداء الرأي لكن بأدب وبطريقة لا تمس حاجات عزيزة عند الناس.

في كتابه “تجديد جورج أورويل” والبحاجة إلى يسار جديد:

يقول اليسار القديم كان مشغولًا بالتأميم وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وهذه المسائل لم تعد هي المشكلة في الوقت الراهن، إلى أن ثبت أن ملكية الدولة قد تكون أسوأ من ملكية الأفراد مثل التجربة السوفيتية التي لم تكن أفضل من التجربة الرأسمالية. اليسار الجديد كان في ذهني أساسا ضرورة أن يقوم بنقد المجتمع الاستهلاكي، وهذه هي المشكلة حاليا. ما يطرحه اليسار القديم لم يعد على نفس درجة أهمية الالتفات إلى عمليات غسيل المخ المستمرة التي أصبحنا نتعرض لها بشكل مستمر في التلفزيون والإعلانات وترويج السلع، ومن ثم يتركز دور اليسار الجديد على كشف مساوئ المجتمع الاستهلاكي.

جورج أورويل تحدث في أعماله عن استبداد الدولة وقهر القويّ للضعيف، أما اليسار الجديد فينبغي أن يطرح فكرة التجديد التي تنظر إلى المجتمع الاستهلاكي باعتباره العدو الأساسي. هذه ليست قناعة مترسخة لدى الجميع بل إن ذلك النمط الاستهلاكي محل تقدير من قبل كثير من الناس، وأنا أرى هذا خطرا يحتاج للفت النظر إليه. مهمة المفكرين أساسًا هي مواجهة هذا المجتمع الاستهلاكي بدفاعهم عن هذا الموقف وهذا صعب تصوره لأن الرغبة في الاستهلاك دفينة جدا والوعي ضعيف بهذه المسألة.

نشر بتصرف في موقع الجديد .